بهمة ونشاط كان الطالب في الثانوية العامة إيهاب الثلاثيني يذاكر دروسه استعدادًا للامتحانات، فقد كان يقضي ساعات طويلة في كتابة الملخصات لكل المواد حتى يتيسر عليه الأمر في مراجعة كل مادة قبل امتحانها، فيدون كل معلومة صغيرة وكبيرة، إذ إن كل يوم كان بالنسبة له مهما جدًا، خاصة أن ذلك يقربه من مرحلة فاصلة في حياته العلمية.
كان كل من في العائلة يحرص على توفير الهدوء والأجواء المناسبة له للدراسة؛ نظرًا لأهمية هذه المرحلة، لكن هذا الهدوء لم يدم طويًلا حيث قصف الاحتلال منزله ودمر مكتبه، وتناثرت كتبه، والأصعب من ذلك أنه ودع جثمان والده الذي لم يتحمل أن يرى منزله الذي بناه بعرق وجهد سنوات طويلة قد أصبح ركامًا.
لم يستطع إيهاب (17 عاما) أن يجلس على مكتبه الدراسي بعد أن تحطم، في حين الحديث فوق ركام المنزل جعل الكلمات تقف خجولة أمام وصف المشهد فلم يبقَ شيء من البيت إلا الذكريات التي جمعته بوالده وشقيقه الشهيد صبحي.
البحث هنا عن مكان يمكن الوقوف عليه دون جدوى، فالأمر خطر والحركة ليست بالأمر السهل خاصة أن المنطقة تعرضت لقصف أدى إلى تدمير عدد من المنازل والمحلات التجارية.
حاول إيهاب أن يكون متماسكًا في حديثه مع مراسلة صحيفة "فلسطين"، لكن لم يستطع أن يخفي خليطا من مشاعره الموجعة فتارة يحن لوالده وتارة لشقيقه وتارة لبيته، يقول: "كنت أحلم في الحصول على معدل عالٍ في الثانوية وأتابع الدراسة في كلية الرباط الجامعية للتخصص في العلوم الشرطية؛ الأمر الذي يجعلني أهتم بدراستي بقدر المستطاع".
ويتابع ونظرات الألم واضحة عليه رغم أنه حاول أن يُخفيها:" في كل ورقة من الكتاب كنت أكتب ملاحظات تزيد من فهم المعلومات وأحاول قدر المستطاع أن أجهز تلخيصات لكل مادة حتى أستطيع مراجعتها قبل يوم من الامتحان فقد حرصت كثيرًا على ذلك فكانت همتي تزداد كل يوم من أجل تحقيقي حلمي".
وداع الأب والبيت
لم يدر في ذهن إيهاب أن يحدث شيء يجعل مجرى حياته مُختلفا خاصة أن الامتحانات لم يتبق لها إلا أيام قليلة إذ يقول:" بعدما قصف البيت كان الأمر صعبا بالنسبة لي حيث اختلفت حياتي فكل الكتب والأوراق حُرقت لكن الأمر الأكبر كان بالنسبة لي حينما توفي الوالد بعد يوم من قصف البيت، فلم يتحمل أن يرى تعب سنوات طويلة ذهب في لمحة بصر".
ويشير إلى أن الأمر كان أكبر من تصور ما يحدث فذلك كان يجعله يسأل نفسه هل ما حدث حقيقة أم أنه مجرد حلم سوف ينتهي بمجرد الاستيقاظ؟ لكن الركام وعدم رؤية والده مجددًا وبكاء أمل طفلة شقيقه الشهيد الذي ارتقى في عدوان سابق، وهي تبحث عن جدها دون أن تجده كل ذلك كان يؤكد أنه ليس حلما، بل حقيقة على أرض الواقع.
حاول إيهاب جاهدًا أن يبحث بين الركام عن كتبه ودفاتره لعله يجد شيئا يساعده في الدراسة لكن كل محاولاته انتهت بأوراق متناثرة قد احترقت وكتب ما عادت تصلح للدارسة، الأمر الذي زاد من معاناته.
ويوضح، أنه حاول أن يحضر كتبا أخرى من مدرسيه وزملائه أو أي شيء يستطيع من خلاله الدراسة قبل أن تبدأ الامتحانات، لكن مهما جمع من ذلك فمن الصعب عليه أن يعيد المعلومات والملاحظات التي كان يدونها على الكتب والتلخيصات المهمة التي كان يدونها بخط يده على الأوراق والدفاتر الخاصة بكل مادة.
ورغم ما أصاب العائلة فإن من تبقى منها كان يحاول أن يشجعه على مواصلة دراسته وأن يحقق حلمه بالدراسة الجامعية والتخرج من العلوم الشرطية، الأمر الذي يجعله يحاول أن يجمع قواه ونشاطه حتى يستطيع تقديم امتحانات الثانوية العامة.