انتهى كرنفال تشكيل الحكومة "الإسرائيلية" بنيل حكومة بينيت الثقة من الكنيست الصهيوني بأقطابها المتعددة وأيديولوجيات غير المتجانسة، من أقصى اليمين إلى الوسط إلى اليسار إلى الوسط العربي في الداخل الذي يحمل "الهوية الإسلامية" تشكلت الحكومة، وبالكاد حصلت على 61 مقعدًا.
من وجهة نظري الدور الأبرز سيكون لمنصور عباس، ذلك العربي الذي يشارك لأول مرة في تشكيل "الحكومة الإسرائيلية" منذ عام 1948، وليس ذلك فحسب، فبقرار منه يستطيع نسف هذا الائتلاف الحكومي والعودة مرة أخرى إلى مربع الصفر، فهل يمكن اعتبار هذه الميزة قوة في يد منصور عباس ومن خلفه الوسط العربي في الداخل المحتل بغض النظر عن كل ما أثير حول خطوة منصور عباس من لغط؟ أم أنها ميزة ليست ذات قيمة لن تقدم أو تؤخر في مجريات الأحداث على الساحة الصهيونية؟
دعونا نضع السيناريوهات ونستشرف النتائج التي يمكن أن تصل إليها الأمور مع كل سيناريو ممكن أن يحدث، في ظل امتلاك منصور عباس قرار إسقاط الحكومة أو بقائها.
في مقابلة لبينت مع إحدى القنوات التليفزيونية صرح قائلًا: إن الحكومة الإسرائيلية لو اضطرت للقيام بعملية عسكرية ستقوم بها حتى لو أدى ذلك إلى إسقاط الحكومة، وفي المقابل صرح منصور عباس أن دعمه للحكومة يعني حصوله على مليارات الشواقل لدعم الوسط العربي فضلًا عن عدد من المزايا المعيشية التي سيحصل عليها الوسط العربي، الذي يعاني التفرقة الحادة في الحصول على الدعم الحكومي والتطوير والرفاه الاجتماعي بينه وبين الوسط الصهيوني، فلو تصورنا فعلًا أن تصعيدًا حدث بين المقاومة والاحتلال فستبدأ حكومة الاحتلال بالتذبذب، وستتجه الأنظار نحو منصور عباس في انتظار اللحظة التي يضغط فيها على زر التفجير لإسقاط الحكومة، وسيُحدِّد موعد الضغط على زر التفجير مستوى التصعيد الذي يمكن أن تصل له الأمور، وهذا ما قد يدفع بينيت إلى خفض مستوى التصعيد من وجهة نظري إلى أقل سقف ممكن محافظةً على الحكومة الهشة من السقوط، وسيشكل هذا الأمر قيدًا بلا شك على قوة الاندفاع من بينيت وأقطاب حكومته باتجاه التصعيد، وسيكون لكل خطوة حسابات دقيقة توزن بميزان من الذهب.
ولكن ألا يمكن تصور الأمر من زاوية أخرى، على اعتبار أن بينيت سيعتبر منصور عباس معبرًا إجباريًا يمكنه من تشكيل الحكومة، ثم سيفقد هذا المعبر أهميته بعد أن نالت حكومته الثقة من الكنيست، كل الشواهد تدلل على أن هذه الحكومة ستبقى أسيرة لهشاشتها وعدم تجانسها، ولا يمكن لرئيسها أن يمتلك القوة اللازمة لتنفيذ أي برنامج دون أن يكون هناك موافقة مسبقة على هذا البرنامج من قبل أقطاب الحكومة كافة، ليس ذلك فحسب بل إن أي قرار لن يكون بمقدور بينيت اتخاذه دون تنسيق مسبق مع أقطاب الحكومة، ويمكن أن يُقرأ ذلك كحالة من التوازن فرضت نفسها على أداء الحكومة الصهيونية، بعد أن نحت هذه الحكومة باتجاه اليمين لسنوات طويلة، ولم يكن هناك أي قوة دفع مضادة تمنع الحكومات السابقة من هذا التوجه اليميني المتطرف.
في المقابل سنجد أن سيناريو المضي قدمًا في محادثات السلام مع السلطة الفلسطينية بدعم من الإدارة الأمريكية سيكون الأكثر راحة لهذه الحكومة، برغم الشعارات المتطرفة التي ترفع من قبل بعض أقطابها، ومرد ذلك أن تلك الشعارات لم تستطِع هذه الأحزاب تطبيقها في أثناء تفردها كأحزاب يمينية في الحكومات السابقة، الأمر الذي يشير إلى أن شعارات اليمين المتطرف لن يكون لها ذلك الأثر على أرض الواقع، وسيحكم عمل الحكومة "الإسرائيلية" كما أسلفنا التوافقات التي اتُّفق عليها بين أقطابها، وسيعمل كل قطب على مد عمر هذه الحكومة لأطول فترة ممكنة، ومن وجهة نظري قد تؤسس هذه الحكومة لنوع من التوازن الذي قد يفضي إلى حكومات أكثر قوة وتوازنًا في المستقبل، وسيكون للإدارة الأمريكية دفع إيجابي باتجاه هذا التوازن الذي سيعمل على تنفيذ أجندة الإدارة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية، وهذا ما صرحت به إدارة بايدن عقب تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، بأنها سوف تعمل مع حكومة بينيت على أساس حل الدولتين.
خلاصة القول: بعد خمسة عشر عامًا من حكم بنيامين نتنياهو لـ(إسرائيل) مدعومًا بحكم اليمين، يبدو أن الدفة بدأت تتجه نحو حكومات أكثر توازنًا، وأظن أنه سيكون للوسط العربي في هذه الحكومات المستقبلية وجود ملحوظ سيتعزز في المستقبل، وسيظهر تأثيره الواضح في الحكومات المقبلة على السياسات الإسرائيلية في المنطقة يتناسب مع حجم الوجود العربي، الذي يمثل حتى اللحظة خمس المجتمع وهي نسبة مؤثرة جدًّا في أي مجتمع مشابه.
ربما يكون منصور عباس رأس الحربة الذي اخترق جدار العزلة الذي فرض على المجتمع العربي منذ 73 عامًا، فهل يمكن للوجود العربي في الكنيست الصهيوني أن يتطور من السعي إلى تحسين المستوى المعيشي وتحقيق المساواة في صرف الموازنات إلى التأثير العام في سياسات الدولة السياسية والأمنية؟ هذا ما سيكشفه المستقبل.