فلسطين أون لاين

في حي الشيخ جراح بالقدس المحتلة

آزر غزة بمعرض.. المصور المقدسي "أبو ترك" "أرشيف يمشي على قدمَيْن"

...
غزة- هدى الدلو:

يعود للماضي متذكرًا بداياته في التصوير، فلم يترك حدثًا في غزة ولا الضفة والقدس دون أن يوثقه بـ"عينه الثالثة"، هذا الارتباط بقي محفوظًا داخله حتى اليوم، وامتد لتوثيق انتصار المقاومة في معركة سيف القدس، لصد العدوان عن مدينة القدس وأحيائها، من خلال إقامة معرض في حي الشيخ جراح يحمل صورًا لمؤازرة الغزيين، باسم "من القدس إلى غزة".

محفوظ أبو ترك (72 عامًا) من مدينة القدس المحتلة، عايش أحداث انتفاضة الحجارة ثم انتفاضة الأقصى وما تلاهما من هبّات، ليروي لصحيفة "فلسطين" تجربته التي امتدت لعقود.

يقول: "أول استخدام لي للكاميرا عام 1964، كهاوٍ حينها لم يتجاوز عمري 16 عامًا، أستعير كاميرا صديقي وأدخر مصروفي لشراء الأفلام الخاصة بها وتحميضها، حتى حصلت على واحدة هدية من شقيقي في الولايات المتحدة الأمريكية".

وبعد امتلاكه الكاميرا دق باب تصوير معالم القدس عليه سنوات ليتكون له رصيد من التجارب والتراكمات يلبي شغفه في التصوير، حتى بدأت انتفاضة 1987 فوجد نفسه حاملًا آلة التصوير يوثق بها جرائم الاحتلال، وبذلك كان في بؤرة الفعاليات الوطنية، يمتشق آلة تصويره التي يعدها سلاحا من نوع آخر ويعمل من خلالها على إيصال النشاطات وفضح ممارسات الاحتلال.

ويشير أبو ترك إلى أن ما عزز وجوده في الميدان هو طلب بعض الوكالات الأجنبية صور الأحداث التي يلتقطها لكونه في بؤرة الحدث.

وبعد الاعتماد على التعليم الذاتي في مجال التصوير، لجأ عام 1989 إلى الحصول على دورات لتطوير نفسه في التصوير وطباعة الصور، وفي العام الذي تلاه سافر إلى إيطاليا للحصول على دورة مكثفة في التصوير الفوتوغرافي والإخراج والمونتاج.

لا يتمالك أبو ترك أعصابه عندما يدخل باحات المسجد الأقصى فيكون محاطًا بالقباب والتحف الهندسية والمعمارية النادرة، وعلى رأس ذلك قبة الصخرة المشرفة والجامع القبلي، فيكون ذلك حافزًا لتوثيق تلك التحف.

ويضيف: "كان التصوير بالنسبة لي هواية ثم تحول إلى رسالة من خلال عملي الصحفي الذي تعرض فيه لكل أنواع الخطر، إلى جانب أنني ناشط في بؤر الأحداث في كل مناطق فلسطين".

ويلفت أبو ترك إلى أنه في بداية انتفاضة 1987 لم يكن هناك عدد كافٍ من الصحفيين، الذين هم بالأساس مصورون فوتوغرافيون ومعدودون على الأصابع، وانغمسوا في التصوير بسبب الأحداث.

ودون ضجر أو ظهور لحالة التعب كان يتنقل خلال اليوم الواحد بين القدس وغزة ومدن الضفة، فكان الشباب يتصلون به قبل البدء بالنشاطات وينتظرونه لحين قدومه، ومن ثم يعمل على إرسالها عبر الوكالات الأجنبية، وباتت صوره بمنزلة رسالة، ولحسن حظه أنه كان يقيم داخل باحات المسجد الأقصى، وبالتالي كان جل الصور التي يلتقطها خلفيتها قبة الصخرة المشرفة.

ويوضح أبو ترك أنه ساهم أساسا في تشكيل لجنة المصورين الصحفيين الفلسطينيين لتدافع عنهم، وأنشأ اتحاد المصورين العرب في بغداد، وحصل على أول ميدالية ذهبية باسم فلسطين من معرض بغداد الدولي عام 1995.

"وخزة في ضمير العالم"

بعدسته تمكن من وضع أحداث فلسطين على واجهة الصفحات الأولى للصحف الفلسطينية والعربية والدولية بتغطيته للأحداث، وهو ما يراه واجبه ليجعل من صوره مادة يمكن من خلالها أن يرفع المعاناة عن شعبه وإبراز همجية آلة الاحتلال العسكرية القمعية.

ويتابع: "هذا دوري بصفتي مصورا صحفيا، لتكن صوري وخزة في ضمير العالم من حين لآخر لمعرفة ما يدور في فلسطين وما يتعرض له شعبنا، ولذلك فآلة التصوير أصبحت جزءا عضويا مني لا ننفصل عن بعضنا، وهي هويتي أمام الناس الذين يعرفونني بها".

وعن معرض "من القدس إلى غزة" الذي تضمن صورا للمواجهات والاعتقالات في حي الشيخ جراح وهدم المنازل في قطاع غزة بفعل قصف الاحتلال، وأخرى تضامنية، يبين أنه حاول حشد أكبر تأييد ممكن لقضيته ورفع المعاناة عن شعبه وإبراز الوجه الحقيقي الوحشي للاحتلال.

ولدى أبو ترك أرشيف كبير من الصور التي يحتفظ بها منذ 1979وهي مصنفة حسب العام والحدث، ومن حين لآخر يُتواصل معه للحصول على بعض الصور الأرشيفية النادرة، حتى أن البعض أطلق عليه "أرشيفًا يمشي على قدمين".

في الماضي، كان يصور الصورة ويجمع الإعدادات للمكونات الخاصة بها، ومن حين لآخر يعمل على تحديثها لكونها تعمل يدويا، فكان يخسر التقاط بعض الصور لسرعة الحدث الذي يعمل على تغطيته ولا يسعفه الوقت في عمل بعض الإعدادات، ثم يعمل على تحميض الفيلم وطباعة الصور، ولم يكن هناك إنترنت فيحتاج لإرسال الصور بعد طباعتها على الكرتون، ولكن حاليًا اختلف الأمر وأصبح أكثر سهولة.

وخلال أداء أبو ترك للواجب المهني تعرض للعديد من الإصابات والاعتقالات عشرات المرات والضرب ومصادرة آلة التصوير، فالاحتلال يعد المصور العدو والخصم رقم واحد، فقبل قمعه للمتظاهرين يلاحق المصورين والصحفيين حتى لا يغطوا ما يقوم به.

وأبو ترك بصدد إصدار كتاب من 14 صورة بعنوان صورة وقصة، ويطمح أن يتمكن من حصر صوره مع قصصها في مجلد واحد لتكون شاهدة على عصر الانتفاضات والهبات الفلسطينية وعدوانات الاحتلال.