فلسطين أون لاين

محاكم الرأي العام وسبات الضمير

لطالما فشل القانون الدولي في إحقاق الحقوق، وإنصاف المظلومين، دوليًّا وإقليميًّا، وحتى محليًّا..

في العصر الحديث فشلت (عصبة الأمم 1920-1945) في كبح جماح الحرب، وتحقيق استتباب الأمن بين الشعوب. كما فشلت هيئة الأمم المتحدة، التي ورثت العصبة، بموجب ميثاق سان فرانسيسكو 1945 في أعقاب الحرب العالمية الثانية، والتي تضم في عضويتها 202 دولة، أعضاء في جمعيتها العمومية، والتي تشكل مع مجلس الأمن عمودها؛ بتشكيلته "الهزلية" التي تضم 15 دولة؛ من بينها خمس، تمثل "الدول العظمى" تتمتع بامتياز "حق الفيتو" أي حق النقض...

وقد سبق هاتين المنظمتين؛ منذ صلح فستفاليا 1648، وحتى مطالع العشرين، ونشوب الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، عدة دعوات وأفكار؛ في محاولات لإنقاذ البشرية من ويلات الحروب، وقد جاءت مبادئ الرئيس الأمريكي/ وودرو ويلسون/ الأربعة عشر، بمثابة الأفكار الرئيسة، التي تبثها/ معاهدة سيفر 1920/ لتأسيس عصبة الأمم؛ التي جاءت بأنظمة الوصاية والانتداب على مستعمرات وشعوب، ما بعد مؤتمر فرساي 1919 لترتيب تبعات الحرب العالمية الأولى، بُعيد هزيمة دول محور؛ برلين -فيينا -إسطنبول فيها..

ورغم إقرار مبدأ سيادة الدولة في إطار معاهدة فستفاليا بعد حرب الثلاثين عامًا بين أطراف الدولة الرومانية المقدسة وألمانيا، في غرب ووسط أوروبا، وإثراء منظومات القانون الدولي العام، والأحكام الدستورية الدولية، إلا أن احترام هذه القوانين والاتفاقيات لم يأخذ طريقه إلى التنفيذ.. وهكذا عرفت هذه الساحة حروبًا ومنازعات شتى، توجتها الحرب العالمية الأولى بين 1914 و1918؛ وقد أودت بحياة نحو 30 مليونًا من البشر، ولم تنسَ شرورها الشجر والحجر ومكونات الحياة الأخرى.

ويلات وحروب ما بعد الحرب العالمية الثانية

ما إن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها عام 1945، حتى اندلعت الثورة التحريرية في الصين بقيادة (ماوتسي تونغ) من اليسار، و(تشان كاي تشيك) من اليمين بتأييد كل من الاتحاد السوفيتي للأول، والولايات المتحدة للغرب للثاني؛ وقد أسفرت عن قيام جمهورية الصين الشعبية الديمقراطية على البر الصيني، وانكفاء الجانب اليميني إلى جزيرة فرموزا (تايوان) وقد ظلت حتى أواخر سبعينيات القرن العشرين المنصرم، تمثل عموم الصين في الأمم المتحدة، بدعم الإمبريالية الأمريكية.

وبعد تجاوز الكثير من التفاصيل جاءت الحرب في شبه الجزيرة الكورية، بين اليسار واليمين، وقد أسفرت عن تقسيم كوريا بين خطي عرض 38 شمالًا بين كوريا الديمقراطية (في الشمال) بقيادة/ كيم ايل سونغ/ مدعومًا من الاتحاد السوفيتي، وبين اليمين بقيادة/ سنغمان ري/ المدعوم أمريكيًّا وأوروبيًّا، في أكبر تحدٍ للنظم والأعراف الدولية؛ في حين جاءت الحرب حول فلسطين عام 1948 باحتلال العصابات اليهودية الصهيونية لفلسطين والأرض الشعب العربي فيها، والتي تمثل إلى يومنا قمة الظلم والهمجية العالمية مدعومة من أعتى قوى الظلام الإمبريالي الأورو-أمريكي؛ في حين أن الشعب الفلسطيني في الشتات يعاني ما يعاني، والكيان الصهيوني يعربد في سلبه ونهبه وتدميره وكل أصناف البغي والظلم، وقوى الظلم والطغيان بقيادة أمريكا الصهيونية تتغول في مناصرة ودعم الظلم والطغيان الصهيوني.

أما هيئة الأمم المتحدة، ومجلسها العتيد، الذي يفترض دعمه لاستتباب الأمن الدولي، وتأمين حقوق الإنسان، وصيانة السلم العالمي، لا نراه إلا مطية للإمبريالية الصهيو-أمريكية-أوروبية يرعاها ويشاركها ظلمها وعدوانها على الشعب الفلسطيني منذ أكثر من قرن من الزمان!

ألا إن النظام العالمي يمثل قمة الفشل في دعم السلم وإبعاد شبح الحروب، وصيانة الحقوق البشرية، لذا يمكن أن نلجأ لوسائل أخرى.

محاكم ومحافل الرأي العام

بعيدًا عن العمل الرسمي، والأطر الكلاسيكية لا بأس أن نطرق أبواب الرأي العام، والمحافل الاجتماعية، ومفاعيل الضمير الإنساني، واستنهاض الهمم والأخلاق والقيم والمثل العليا، على الصعيد الشعبي، ونواميس الطبيعة الخلاقة.

هنالك حتميات طبيعية تقر مبادئ العدالة، وتجيز التعامل والتفاعل معها، وتنفذ أحكامها...

إن الشرعة العالمية لحقوق الإنسان تؤكد توصيف الجرائم والتعديات على الحقوق البشرية، وهي إذ تجيز للشعوب الثورة على مغتصبي حقوقها، بما في ذلك حمل السلاح والقتال، وكذا ملاحقة الأعداء تحت كل سماء، حتى يرضخوا للعقوبات، ويتحملوا المسؤوليات طائعين أو كارهين.

وكما لا تجيز الشرائح والقوانين التعدي على حقوق الناس، فإن التصدي للمعتدين أكثر من جائز، وإن فعل التعدي يستوجب ملاحقة فاعل، ومن ثم إنزال أقسى العقوبات في محاكم الضمير والرأي الحر الصادق، والبعيد عن المصالح والارتباطات والتحالفات وزواريب السياسة والتواءاتها وتعقيداتها، وما إلى ذلك.

ماذا لو استحضرنا روح/ بلفور/ وسياسات الحكومة البريطانية في عز إمبرياليتها، لنضعه في قفص الاتهام، كمجرم آثم لما ارتكبه من إجرام بحق الشعب الفلسطيني، ووعده لصهاينة بوطن قومي لهم عام 1917، وحرمانه للشعب الفلسطيني من وطنه، وتعريض أمنه وحياته للضياع والذل والتشريد والهوان؟

ماذا لو استحضرنا روحي مارك سايكس وبيكو (سايكس-بيكو) وقد تأمرا عام 1916 على تفتيت الشرق العربي (سورية الكبرى) لإحكام تآمر دولتيهما على مقدراتها، بقصد نهبها والاستيلاء عليها؟

ماذا لو أنذرنا كل من يدخل فلسطين المحتلة المغتصبة، من دون السماح لهم بذلك من قبل ممثلي الشعب الفلسطيني؟ على خلفية اختراق الأصول، والسادة المتعارف عليها، منذ قيام الكيانات السياسية في العصر الحديث؟

ماذا وماذا؟ وإن لدى الشعوب في مختلف جهات الأرض الكثير من أصحاب الضمائر الحية، واستعدادهم، لإقامة محاكم للضمير الحي، في الساحات الشعبية لتجريم هؤلاء المجرمين وأعقابهم، وإنزال أقسى العقوبات بهم، وفضحهم باسم البشرية وضميرها الحي اليقظ، على اعتبار أن هذه الجرائم لا تمحوها عاديات الزمان.

نعم؛ إن ذلك ممكن، وليس هنالك ما يمنع.

أظن كل الظن أنه يمكن أن نقدم أول دفعة من هؤلاء المجرمين والضالين سفراء "المستعربين" أولا الذين مثلوا دول ودويلات التطبيع الاعرابية مع دويلة الكيان الصهيوني منذ كامب ديفيد 1978 وإلى يومنا.

الحيثيات كثيرة للقيام بهذا، إلى جانب حقنا المشروع في الكفاح المسلح والعمل السياسي بكل أشكاله لإحقاق الحق وإزهاق الباطل.

هذا وللحديث بقية.