فلسطين أون لاين

أصبحت أضعف من مواجهة محامين يمثلون الضحايا أمام "الجنائية"

حوار "الصوراني": (إسرائيل) تمارس الإرهاب وقصفت المدنيين في غزة بأحدث الأسلحة

...
راجي الصوراني مدير المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان (أرشيف)
غزة/ أدهم الشريف:

قال مدير المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان راجي الصوراني: إن (إسرائيل) تمارس الإرهاب ممارسة واضحة وعلنية، وإنها استخدمت في عدوانها العسكري الأخير على قطاع غزة أحدث الأسلحة الحربية ضد مدنيين عزل.

ونبَّه الصوراني في حوار أجرته معه صحيفة "فلسطين" إلى أن مجتمع حقوق الإنسان على المستوى العالمي متفق على أن (إسرائيل) تمارس الإرهاب عن قصد، ويؤمن بضرورة ملاحقة قادتها السياسيين والعسكريين والأمنيين ومحاسبتهم دوليا.

وفي 11 يومًا من العدوان منذ اندلاعه في 11 مايو/ أيار الجاري حتى سريان وقف إطلاق النار في الساعات الأولى من فجر 21 من الشهر ذاته، شنَّت مقاتلات جيش الاحتلال ضربات مكثفة ألقت خلالها مئات الأطنان من المتفجرات على هيئة قنابل أمريكية الصنع، ما أدى إلى استشهاد المئات من الأطفال والنساء والشيوخ، وإصابة الآلاف، والتسبب بدمار هائل في الأبراج السكنية ومقرات المؤسسات والبنى التحتية والشوارع في القطاع.

وأكد الصوراني أهمية البعد الإنساني والقانوني بشأن ضحايا العدوان الإسرائيلي، مشيرًا إلى أن القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني واتفاقيات "جنيف" وميثاق روما الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية، جميعها تؤكد على حماية المدنيين في أوقات الحرب، في حين أن جيش الاحتلال استهدف المدنيين، أطفالا ونساء وصحفيين وأعيانًا مدنية ومستشفيات ومكاتب إدارية وإغاثية في أوقات الحرب بشكل مقصود مع سبق الإصرار.

تكنولوجيا عسكرية

وذكر أن جيش الاحتلال استهدف أجمل ما في غزة خلال العدوان، مشيرا إلى ما حصل في حي الرمال والأحياء المجاورة من تدمير أبراج مهمة في أكثر الأماكن بروزًا في القطاع، بهدف الضغط على القيادة السياسية والأمنية في غزة، وإيقاع ألم وعذاب غير اعتيادي في نفوس وعقول الناس.

واعتبر هذا العدوان غير مسبوق من ناحية المستوى العالي في التسليح والتكنولوجيا العسكرية المستخدمة ضد المدنيين كأهداف لمقاتلات وآليات الاحتلال الحربية، مضيفا أن الاحتلال قصف الأهداف المدنية مستخدمًا أحدث الطائرات المقاتلة ومنها "إف 35"، وقنابل فتاكة، ما أدى إلى إبادة عائلات بأكملها، إضافة إلى إيقاع مصابين بحالات حرجة قد يعلن استشهادهم في أي لحظة.

وبحسب معطيات أوردتها وزارة الصحة، مؤخرًا، فإن عدد شهداء العدوان بلغ 254 منهم 66 طفلا و39 سيدة و17 مسنًا إضافة إلى 1948 إصابة بجراح مختلفة.

وأكد أن مهمة مؤسسات حقوق الإنسان ملاحقة (إسرائيل) على ما تقترفه من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، خاصة أنها نجحت في بدء التحقيق من خلال المحكمة الجنائية الدولية، مبينًا أن المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان وثق الجرائم ضد الإنسانية منذ الساعات الأولى لبدء العدوان خلال 11 يومًا.

وكشف أن مركزه كان على اتصال مع مكتب المدعية العامة للجنائية الدولية، وفريق التحقيق الذي شملته المحكمة، ومكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان، والمؤسسات الدولية والإقليمية ذات الصلة.

وأضاف أن ملف العدوان الذي جهزه المركز سيكون في أقرب وقت ضمن سلسلة الملفات الموجودة لدى الجنائية الدولية التي توثق جرائم الحرب في الأراضي المحتلة، وأن لعنة دماء وعذابات وآلام أطفال فلسطين ستلاحق مجرمي الحرب الأمنيين والسياسيين والعسكريين الإسرائيليين في أصقاع الأرض.

ومن ضمن الملفات التي وصلت إلى الجنائية الدولية، ملف ضحايا العدوان الإسرائيلي صيف 2014، وكذلك عدوان 2008- 2009، وعدوان 2012، وجريمة الاضطهاد و"الأبرتهايد" والاستيطان وجرائم النهب والقمع العنيف لمسيرات العودة وكسر الحصار السلمية.

وذكر الصوراني أنه للمرة الأولى "نشهد حالة إجماع من مؤسسات دولية" منها هيومن رايتس ووتش، و"أمنسي انترناشيونال"، والمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، وشبكة الحقوقيين الدوليين، والفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، ومنظمات إسرائيلية أيضًا منها "بيتسيلم" وغيرها، على ضرورة تقديم مجرمي الحرب الإسرائيليين أمام الجنائية الدولية بقولٍ قاطع وفاصل.

وأشار إلى تصريحات للمفوض السامي لحقوق الإنسان أكد خلالها أن ما حدث في غزة جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية يجب محاسبة (إسرائيل) عليها.

القانون والمقاومة

وبشأن أهمية الإجماع الدولي المدين لجرائم الاحتلال وانعكاساته على الشعب الفلسطيني، قال: إن ما يريده هذا الشعب إنهاء حصار غزة والاحتلال والتطهير العرقي والاستيطان في القدس والضفة الغربية، ونيل الاستقلال وممارسة حقه في تقرير المصير، وإقامة الدولة، وهذا لا يمكن للمحكمة الجنائية ومنظمات حقوق الإنسان تحقيقه لنا بعدِّنا شعبًا يريد الخلاص من الاحتلال.

وأضاف: "لذلك توجد حركات التحرر الوطني وفصائل المقاومة، وهي مصدر فخر وعز لشعب يقاوم الاحتلال، ومهمة التحرير وإنهاء الاحتلال والاستقلال ليست مهمة منظمات حقوق الإنسان وإنما مهمة من يمارس حق تقرير المصير نيابة عن شعبه، والمقاومة حق قانوني سياسي للأفراد والشعوب".

لكن في الوقت ذاته نبَّه إلى ضرورة توظيف واستخدام القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني في إسناد الحق ليشكل بعدًا مهما في كسب معركة التفوق الإنساني والأخلاقي والقانوني وتقوية الحجة للضحايا الفلسطينيين أمام الرأي العام.

وتابع أن التاريخ لم يتحدث عن احتلال منصف لديه قانون وعدالة، وكذلك لم يذكر التاريخ احتلالًا لا يمارس جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية و"نحن بوصفنا مركزًا حقوقيًّا لدينا الدليل على جرائم الاحتلال".

واعتبر أن (إسرائيل) أضعف وأوهن من مواجهة وتحدي مجموعة محامين يمثلون الضحايا الفلسطينيين أمام الجنائية الدولية، وخشية من ذلك أصدر رئيس الإدارة الأمريكية السابق دونالد ترامب أمرًا تنفيذيا يعاقب ويحاكم من خلاله كل من يعمل على إدانة (إسرائيل) وأمريكا أمام الجنائية.

وبيَّن أن المدعية العامة للجنائية الدولية فاتو بنسودا عندما قررت إحالة ملف جرائم الاحتلال للمحكمة التمهيدية في 5 ديسمبر/ كانون الأول 2019، أصدر ترامب تهديدًا بالحبس ومصادرة الممتلكات واعتقال القضاة ووكلاء النيابة والمحامين التابعين للمحكمة، لكن بعد هزيمته أمام منافسه جو بايدن في انتخابات الرئاسة، فرضت المحكمة في 3 فبراير/ شباط الماضي ولايتها على الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة.

ملاحقة المجرمين

ونبه الصوراني إلى أن الطريق أمام الجنائية ليس معبدًا بالورد، بل هناك تهديد سياسي وأمني ضد المدعية العامة والقضاة والمحامين والعاملين، مردفًا: "نحن أمام مهمة يجب التفوق فيها إنسانيا وأخلاقيا وقانونيا، حيث لدينا قضايا من تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الأكثر توثيقًا في العصر الحديث، ولن نغفر وسنلاحق هؤلاء المجرمين".

وحول قرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بشأن تشكيل لجنة للتحقيق في جرائم الاحتلال خلال عدوانه، ثمن القرار رغم تصويت دول ضده وامتناع دول أخرى عن التصويت لصالحه، ليتم تمرير القرار وتنتصر المؤسسة الأممية لصالح القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني.

وعدّ مجلس حقوق الإنسان الأممي من أهم المحافل القانونية الدولية والإنسانية على المستوى الدولي "من حقنا وواجبنا استخدامه وتوظيفه". ولفت إلى أن (إسرائيل) تعرف أنها خاسرة في هذا التحدي تمامًا، لذلك لم تتعامل يومًا مع لجنة تحقيق حقوق الإنسان، بل قاطعتها ومنعتها من دخول الأراضي المحتلة، كما حصل مع لجنة "غولدستون" للتحقيق في جرائم الحرب بعد عدوان 2008.

وأشار إلى أن الأهم في لجنة مجلس حقوق الإنسان أنها ربطت ما حدث في غزة بما حدث في القدس وحي الشيخ جراح، ودعت لبحث الأسباب الحقيقية التي فجرت الصراع، معتقدًا أن ذلك سيفتح الأبواب على مصراعيها من الناحية القانونية في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

وأكد أن الحالة الفلسطينية الحقوقية والإنسانية أمام تضامن غير مسبوق، وأن على القوى السياسية البناء عليه وحصد ثمار ذلك بتعظيم الضغط على دول ناصرت العدوان، وتحديدًا أمريكا التي انتصرت لـ(إسرائيل) وعطلت إصدار مجلس الأمن الدولي.