فلسطين أون لاين

يوسف صبح يعود إلى الحياة "من الموت"

...
غزة/ مريم الشوبكي:

اهتزت العمارة بمن فيها، بدأت حيطانها وأعمدتها تسقط على رؤوس أصحابها، في ثوانٍ أصبح أكثر من 30 فردًا تحت الأنقاض، لا يعرف أحدهم مصير الآخر.

فجأة كسر الصمت صوت رنين هاتف يوسف صبح.

عمه د. عائد: طمني عنكم في قصف شديد حولكم.

يوسف صارخًا: عمي احنا تحت الردم ابعتلنا إسعاف احنا اتعبنا.

لم يستطِع د. عائد صبح الرد على صراخ يوسف مصدومًا مما يسمع.

عاود عمه الثاني الاتصال به، ويوسف يردد الجملة نفسها: أرسلوا لنا إسعافًا، وعمه يخبره بأن سيارات الإسعاف كلما تقدمت إلى مكان المنزل تنهال الصواريخ بالقرب منه من كل حدب وصوب.

اعتقد يوسف وأمه وأخته سارة (10 أعوام)، وأخوه إسماعيل (13 عامًا) وأخته أسماء وطفلاها جعفر وإمام، أن بيت خاله في حي العطاطرة في بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة، أكثر أمنًا من بيتهم الذي يقع في "منطقة العمودي" التي أمطرها الاحتلال بوابل من قنابل الغاز والدخان وشرد جميع من فيها.

فرَّ يوسف وعائلته من قدر إلى قدر آخر، في منتصف الليل تحولت منطقة العطاطرة إلى ساحة لا صوت يعلو فيها فوق صوت قذائف المدفعية وصواريخ الطائرات، تحولت إلى حمم بركانية، في منتصف ليلة الجمعة ثاني أيام العيد، صوت الانفجارات لم يهدأ على مدار 45 دقيقة.

لجأت عائلة يوسف إلى بيت خاله الذي يقع في الطابق الأرضي، فجأة اهتز البيت بشدة، ظن الجميع أن الانفجارات بعيدة عن البيت، حتى بدأت الحيطان تقع عليهم، ليهرعوا جميعهم للاحتماء في غرفة صغيرة بلا شبابيك، مع خاله وزوجته التي كانت تضم أطفاله الثلاثة في حضنها.

وقع عمود على قدم يوسف، وآخر على ظهر والدته، أما زوجة خاله وأطفالها فقد وقع عمود آخر على رؤوسهم ووالدهم نجا بأعجوبة منه.

صاح يوسف: يما يا أسماء، سمع خاله صوته، فأخذ يزيل الحجارة وأحدث له فتحة صغيرة، واستمر في إزالة الركام حتى أنقذ أخته وابنيها، أما يوسف فكان العمود جاثمًا بقوة على ساقه، حاول خاله سحبه لكنه لم يستطِع.

من تحت الركام طلب يوسف منهم المغادرة لأن ساقه قد قطعت، رفضت والده: "ما بسيبك يما، ما بروح وبسيبك"، استمروا في سحبه حتى نجحوا في النهاية.

عاد خاله ينادي ويصرخ: أم إسلام، وينادي على أبنائه، ولكن ليس هناك من مجيب، استودعهم الله لأنه أيقن أنهم شهداء، استمر في سحب يوسف والقذائف حول البيت لم تهدأ، حتى وصل إلى "عربة كارو" أخرجته من المكان حتى عثر على باص نقله على الفور إلى المستشفى الإندونيسي.

بعد أن أُخرج يوسف من تحت الأنقاض، طلب من خاله العودة للبحث عن زوجته وأطفاله، رفع حجرًا وإذ بطفل يرتدي قميص العيد الأحمر، صرخ: إسلام عايش الحمد لله، لتجيبه أخته هذا جعفر ابن أسماء وليس إسلام، بكى: "يعني كلهم استشهدوا"، هيا نسعف يوسف فجميعهم استشهدوا.

نجا أخوال يوسف الباقون وعائلاتهم، منهم من استطاع أن يخرج من تحت الأنقاض مصابًا، لم يبرح المكان متحاملًا على جراحه حتى ينقذ من تبقى تحت الركام، ليتمكنوا من الخروج جميعهم والتوجه نحو المستشفى.

البيت الذي كانت تحتمي فيه عائلة يوسف كان له أكثر من باب ودرج، بدأ الاحتلال بتدميرهم جميعًا حتى لا يستطيع من في البيت الهرب، ولا يتمكن أحد من الجيران من الوصول إليهم مع الاستمرار في انهمار الصواريخ حتى لا تتمكن فرق الإنقاذ والإسعاف من الوصول إليهم، ولكن معجزة إلهية أنقذتهم من موت محقق.

منذ 14 مايو/أيار، يرقد يوسف على سرير الشفاء بسبب إصابته بكسر في الحوض، وكذلك والدته التي أصيبت بكسر في العمود الفقري، ينتظران تحويلة لتقلي العلاج في الخارج.

كتب ليوسف وعائلته النجاة من تحت الأنقاض، يحاول أن يتناسى لحظات الموت التي عاشها تحت الأنقاض مرددًا الشهادتين، ولكن ستبقى شهادته الحية دليلًا على جرائم الحرب التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين العزل في قطاع غزة.