فلسطين أون لاين

انتشل الشهداء والناجين وسط الخطر.. مشاهد لن ينساها المسعف معتز

...
غزة/ مريم الشوبكي:

كانت الأرض من تحت أقدام المسعف معتز أيوب ورفاقه تغلي، استهدافات في كل مكان، بيوت سويت بالأرض على رؤوس أصحابها، تلقى اتصالًا هاتفيًّا بأن عائلة العطار في بيت لاهيا قصف منزلها وما تزال داخله، صواريخ الاحتلال حولت الطريق إليهم إلى حقل ألغام، بين ثانية وأخرى كانت صواريخه تدك البيوت والشوارع.

الأم تنام على سريرها وتضم بين جناحيها الولدين والبنتين، لكي تحميهم من الصواريخ التي انهالت على بيتها المتواضع، كان الردم يغطي أجسادهم، رفع معتز عمود باطون عنهم ليذهل من المشهد، ناموا نومتهم الأخيرة فلم يستشهدوا من الشظايا، بل اختناقًا.

ارتدوا ملابس العيد وتعطروا، كانوا يخططون للعب على الأراجيح، وركوب الدراجات الهوائية، لم يتخيلوا أن يكون عيدهم في الجنة.

في بيت لاهيا أيضًا عند دوار الشيخ زايد دكت صواريخ الاحتلال نحو تسعة بيوت دفعة واحدة، كان معتز حينها يقود سيارة الإسعاف التابعة لجهاز الدفاع المدني، توجه فورًا إلى منطقة الحدث حيث أنقذت عائلة الملفوح كاملة من تحت الركام، وانتشل عدد من الشهداء من العائلة نفسها.

أخبر الجيران معتز (28 عامًا) بأن عائلة الطناطي لا تزال تحت الأنقاض، استمر رجال الدفاع المدني في البحث عنهم في جنح الظلام، ولكن لم يجدوا أحدًا في المكان الذي من المفترض أن يكونوا فيه.

في اليوم التالي عاد معتز ورفاقه للبحث عن عائلة الطناطي، استرشدوا بروايات الجيران، ليكتشف أن الأب أسرع بالخروج لحظة قصف بيته بالصواريخ نحو الشارع ليحتموا ببيت على بعد 20 مترًا، ليباغتهم صاروخ في تلك اللحظة ويأتي على جميع أفراد العائلة ويمحو اسمها من السجل المدني.

المشاهد التي عايشها معتز منذ اللحظة الأولى للعدوان لم تتوقف عند الشهداء والناجين، بل تعامل مع مصابين بصدمات نفسية، إحدى الفتيات التي تبلغ 18 عامًا قصفت الصواريخ مكانًا بجوار بيتها، من الصدمة بقيت لا تقوى على النطق مدة يومين، واحتاجت لدعم نفسي كبير لتستعيد قدرتها على النطق.

يعتقد معتز الذي عايش العدوانات الثلاثة الماضية أن العدوان الرابع هو الأشرس على الإطلاق، فضربات الصواريخ كانت متلاحقة وعنيفة، طالت عشرات العائلات المدنية الآمنة في بيوتها، حتى الطرق أحدثت فيها حفرًا عميقة أعاقت عمل طواقم الإسعاف والدفاع المدني.

طوال أيام العدوان لم يصل معتز إلى بيته، كانت زوجته ووالدته تتوسلان إليه أن ترياه ولو لحظة، أو أن يأتي على الأقل ليأخذ ملابس، كان يرفض لأن عمله كان متواصلًا على مدار 24 ساعة.

كان معتز يسترق بعد اللحظات ليأخذ قسطًا من الراحة والنوم، ليس ممددًا على سرير بل حانيًا ظهره على مقود سيارة الإسعاف، فهو لا يستطيع أن يبرح السيارة خشية من اتصال طارئ.

سيارات الإسعاف والدفاع المدني متهالكة بفعل الحصار ومن المفترض أن تكون خارج الخدمة، لكن معتز ورفاقه كانوا لا يتوانون لحظة عن إنقاذ أرواح الناس بأقل الإمكانات وأصعب الظروف، في بعض المرات كانوا يواجهون مواقف صعبة حينما تتعطل سيارة أو أنبوب الماء، فيضطرون إلى طلب المدد من رفاقهم في محافظة غزة، وهذا الأمر كان يستغرق وقتًا أطول للإنقاذ.

فرق الإسعاف والدفاع المدني يستحقون النياشين، كانوا الجنود الحقيقيين في هذا العدوان وغيره، يستحقون تقديرهم بسيارات ومعدات حديثة تعينهم على أداء مهامهم على أفضل وجه، فكل ثانية تمر كفيلة بإنقاذ روح على الأقل.