أينما وجد قتيل، تلمس أثرهم. كلما سمعت انفجاراً ابحث عنهم. وحين تشم حريقاً في هذا العالم تذكر رائحتهم. فهم المسكونون بمقولة شعب الله المختار، والعالم ضدهم. وهم وحدهم ضحايا النازية ولا أحد غيرهم. لا يتوانون عن قتل من يقف في طريقهم، حتى لو ضحوا بأبناء دمهم.
لفندق الملك داود بالقدس، والذي كان مقر إقامة الرئيس ترامب، أثناء زيارته لـ(إسرائيل)، حكاية تؤكد أن (إسرائيل) قامت على الإرهاب، وأن «المسادا»، التي فضل فيها اليهود الانتحار الجماعي على الاستسلام للرومان في تلك القلعة المطلة على البحر الميت، ما هي إلا أسطورة وعنصر أساس من العقيدة الصهيونية.
في 22 يوليو 1946 قامت عصابة الآرغون الصهيونية بتفجير الفندق، بهدف الهجوم على الحكومة البريطانية في فلسطين، التي كانت وقتها تحت الانتداب البريطاني، وكان فندق الملك داود مقراً لها.
كان للفندق أهمية في تاريخ فلسطين. وقد بني غرب مدينة القدس في أحد أوائل الأحياء التي بنيت في المدينة، التي بدأت تتمدد خارج أسوارها منذ منتصف القرن التاسع عشر، ويطل على شرق المدينة وبلدتها القديمة، التي تحتفظ بإرثها الديني والثقافي والتاريخي.
كان الفندق، النزل المفضل لكبار الشخصيات التي تزور فلسطين، الدولية والعربية السياسية والثقافية والفنية ورموز السياسة، وكذلك صحافيي وسياسيي بلاد الشام، والنخب العربية الناهضة في مخاض ما قبل مرحلة الاستقلال.
كان الفندق إبان الانتداب البريطاني على فلسطين المقر الرئيس للإدارة البريطانية المدنية، التي احتلت جناحه الجنوبي، ولهذا السبب استهدفته منظمة الآرغون، مطالبة البريطانيين باستعجال الرحيل لإنشاء الدولة الإسرائيلية.
لم يكن مفهوماً لكثيرين الإرهاب الذي مارسته العصابات الصهيونية، والذي جعل من البريطانيين أحد أهدافه، رغم أن البريطانيين مهدوا بانتدابهم لإقامة الدولة العبرية، وكان لا بد للإرهاب الصهيوني ضد البريطانيين الذين قدموا كل التسهيلات للحركة الصهيونية، أن يصل إلى ذروته، وتم ذلك في 22 يوليو 1946، عندما أصدر مناحيم بيغن زعيم الآرغون الشاب، تعليماته، بنسف الجناح الجنوبي للفندق.
أسفر التفجير عن مقتل 91 موظفاً وزائراً من المدنيين، بينهم 41 عربياً، و28 بريطانياً، و17 يهودياً، وكان الدمار الهائل الذي أحدثه التفجير في الفندق وعدد الضحايا الكبير، نتيجة طبيعية للتطور في العمل الإرهابي الذي مارسته العصابات الصهيونية، ضد الأهداف المدنية في فلسطين قبل ذلك بنحو عشر سنوات، ولم يكن نسف الفندق نهاية المطاف.
بعد يومين من تفجير الفندق، أصدرت الحكومة البريطانية كتاباً أبيض عن الإرهاب في فلسطين، وفيه اتهام للوكالة اليهودية بتنفيذ أعمال إرهابية بالاشتراك مع عصابتي الآرغون وشتيرن والهاغناة.
ومثلما تحول ما حدث في فندق الملك داود، بالنسبة لمؤرخين وباحثين، إلى دليل واضح على تطور الإرهاب الصهيوني، أصبح كذلك رمزاً بالنسبة للحركة الصهيونية، وإن كان لأسباب أخرى، وعندما وصل مناحيم بيغن إلى رئاسة وزراء (إسرائيل) عام 1948، فيما اعتبر حينها انقلاباً في النظام السياسي الإسرائيلي الذي سيطرت عليه حركة العمل منذ تأسيس الدولة، أصبح فندق الملك داود المكان المفضل له لاستقبال ضيوفه من السياسيين.
بقي تفجير الفندق، حاضراً في أدبيات حزب الليكود، الذي توالى على زعامته من اتهموا بارتكاب مجازر، مثل بيغن نفسه، وأريئيل شارون، وإسحق شامير الذي كان مطلوباً لسلطات الانتداب البريطاني لتورطه في عمليات إرهابية، من بينها اغتيال اللورد موين.
والمفوض الدولي الكونت برنادوت، حتى لدى إيهود أولمرت، زعيم حزب كاديما الذي خرج من رحم حزب الليكود، الذي أراد أن يغير حقيقة ما حدث في ذلك الصيف بفندق الملك داود.
وذلك حين وقف في الكونغرس الأميركي في مايو 2006، ليخاطب المشرعين الأميركيين، في أول زيارة له لأميركا بعد انتخابه رئيساً لوزراء (إسرائيل)، مهاجماً ما أسماه الإرهاب الفلسطيني.
وأعطى مثلاً على ذلك حكاية فتاة يهودية قتل أبواها في تفجير فندق الملك داود، فصفق المشرعون بحرارة، دون أن يدروا أن أولمرت كان يستغفلهم، وأن والدي الفتاة اليهودية تلك قتلا نتيجة الإرهاب الصهيوني.
لقد غطت الأكاذيب الإسرائيلية على حقائق تاريخية، وخلقت واقعاً مزيفاً في فلسطين التاريخية.