فلسطين أون لاين

شقيق الشهيد ياسر مرتجى

"ريكورد ميديا".. "حلم" الصحفي "معتصم" ينهار في لحظة

...
غزة- نبيل سنونو:

احمرت وجنتا معتصم مرتجى بعد ثلاثة أيام لم ينم فيها، لتغطية العدوان على قطاع غزة، ولما هم "باستراحة مقاتل" قصيرة بعد صلاة عيد الفطر؛ انهمرت عليه مكالمات في 13 أيار (مايو) قضت مضجعه.

تنهد الشاب معتصم وشريط الأحداث يمر بين عينيه: "قبل هذا قدمنا أخي ياسر شهيدًا، ارتقى في مسيرات العودة (الكبرى وكسر الحصار السلمية)، كان يقدم رسالة سامية واضحة للعالم كله، أننا في قطاع غزة ما زلنا نكابد، ونصبر على المعاناة التي يسببها الاحتلال والحصار".

كانت المشاهد التي يوثقها ياسر تقطر إنسانية، عن الحياة بمحاذاة السياج الاحتلالي الفاصل مع قطاع غزة، وكيف يطالب اللاجئون الفلسطينيون عبر المشاركة في المسيرة بحقهم الطبيعي في أرضهم التي سلبها الاحتلال.

يعيد معتصم ترتيب كلماته بحسرة: "كعادته أراد الاحتلال أن يطمس الحقيقة وهذه الرسالة التي نقدمها ونكافح لأجلها، وكان استشهاد ياسر ضربة موجعة لنا، قصمت ظهرنا، لكنها في الوقت نفسه مثلت نقطة انطلاق لتأسيس شركة (ريكورد ميديا)".

وفي عدوان 2014 فقد معتصم زميله الصحفي عبد الله مرتجى شهيدًا.

يتحامل معتصم على نفسه أمام آلام مزدوجة حلت به، موضحًا أن شركة (ريكورد ميديا) اختصت بالإنتاج الفني والإعلامي والأفلام الوثائقية والدعائية وأعمال الموشن جرافيك والتصاميم.

يقول الشاب ذو الملامح السمراء: "عملت الشركة منذ عام ونصف مع كبرى الشركات والمؤسسات المحلية والدولية في مجالها، عن قطاع غزة وما يعيشه الشباب من قلة الإمكانات بسبب الحصار".

يرى معتصم هذه الشركة دليلًا على إرادة الشباب الفلسطينيين، مبينًا أن طاقمها يتكون من ثمانية اختصاصيين: مدير تنفيذي، ومصورين، ومصممين، من الخريجين الجدد.

لم يكن وقوف معتصم وزملائه على أقدامهم في هذا العمل سهلًا، إذ إنهم وفروا الاحتياجات من مالهم الشخصي، واضطروا أحيانًا إلى الاستدانة من بعض المؤسسات.

"أصر الاحتلال على أن يطمس هذه الحقيقة والعمل والجهد الكبير الذي نقدمه لخدمة الناس في القطاع أو خارجه، حيث أعمالنا صالت وجالت وصنعت لنفسها بصمة، وآخرها كانت مع مؤسسات الهلال الأحمر الفلسطيني" تكسو النبرة الحزينة صوت معتصم.

يشبه معتصم الجهد المبذول في هذا المشروع الصحفي بأنه "ترميم لركام النفس"، كما أنه كفاح وخوض "للتجارب العتيدة" الهادفة لكشف الحقيقة.

الانهيار

في أول أيام عيد الفطر كان قطاع غزة مسرحًا لجرائم الاحتلال ضمن عدوانه المستمر الذي أوقع مئات الشهداء، والجرحى المدنيين، ومنهم صحفيون.

رفع معتصم رأسه، وبنظرة امتزجت فيها معاني الفخر، والحزن في آن واحد يقول: "كنا حينها نغطي العدوان منذ أيام، ولم ننم، وبعد أداء صلاة العيد غفوت قليلًا، فإذا سيل من المكالمات، فقلت في نفسي: إن شيئًا ما سيئًا ربما يكون حصل، لا سمح الله".

- ما حدثت به نفسك يا معتصم وقع بالفعل!

دار هذا الحوار الذاتي داخل الشاب المكلوم.

كانت العمارة التي يقع فيها مقر الشركة وسط مدينة غزة قد قصفها الاحتلال بأول صاروخ من طائرة حربية دون طيار.

وكان معتصم وزملاؤه في الشركة جهزوا المعدات والكاميرات لأي طارئ، لكنهم عجزوا عن انتشال أي منها أو الحفاظ عليه، قبل تدمير العمارة، التي تضم مكاتب إعلامية وهندسية، بالكامل.

"بسرعة وهمجية" حول الاحتلال المبنى إلى أثر بعد عين، بطائرات من طراز (إف 16)، وفقًا لتعبير معتصم.

ذكريات وتفاصيل استهدفها الاحتلال، وخسائر يقدرها معتصم بـ15 ألف دولار، من كاميرات و(سيرفرات) ومكاتب وأجهزة، سببها القصف.

فقد العاملون في هذه الشركة الصحفية مقر عملهم، ولم يجدوا بعد مكانًا آخر يجمعهم، لكنهم يستمرون في فضح جرائم الاحتلال ويعملون من بيوتهم إلى أن يتمكنوا من تأمين مقر آخر.

على أنقاض مقر الشركة يجلس معتصم حاملًا كاميرته ومطلقًا نظراته على كل حجر، كأنما يستعيد كل ذكرى من ألف هذا العمل حتى يائه.

يقول معتصم: "هذا حلمي ورسالتي ومكاني ومكتبي الوحيد، أعده مصدر إلهام".

كبرت زهرة هذا العمل ونمت على مدار عام ونصف، قبل أن "يميتها" الاحتلال.

لكن معتصم يتعهد وزملاؤه في الشركة بالاستمرار في إيصال الرسالة المهنية، والسير في الطريق ذاته، متممًا: "هذه الضربة كما أوجعتنا ستزيدنا قوة".