ما زالت الرشقات الصاروخية للمقاومة الفلسطينية تتساقط فوق المدن الفلسطينية المحتلة لليوم التاسع على التوالي، ففي الساعات الأخيرة ضربت الرشقات الصاروخية مدن أسدود وعسقلان وبئر السبع، واستهدفت قاعدة التنصت 8200 وقاعدة "رعيم" وغيرها من القواعد العسكرية، في حين انهمرت قذائف الهاون على جميع مستوطنات غلاف غزة، في رسالة تحدٍّ للاحتلال، وتأكيد على فشل ضرباته الجوية المتواصلة على غزة في استهداف المنظومة الصاروخية للمقاومة، أو الحد من وتيرة إطلاقها اليومي تجاه المدن والبلدات في العمق الفلسطيني المحتل.
تستخدم دولة الاحتلال لحماية مواقعها العسكرية والإستراتيجية عددًا من المنظومات الدفاعية مثل "مقلاع داود" و"معطف الريح" و"القبة الحديدية" وغيرها، وهي منظومة "القبة الحديدية" التي تمتلك منها عشر وحدات فخر صناعتها العسكرية، وتروج أنها أقوى المنظومات الصاروخية الدفاعية في العالم بقدرة كفاءة تبلغ 90% من إصابة الأهداف، إذ بدأت قبل عقد من الزمن في استخدامها وتطويرها بتمويل من الولايات المتحدة الأمريكية التي اشترت وحدتين من تلك المنظومة التي تمتلك قدرة على اعتراض وإسقاط الصواريخ في مدى سبعين كيلومترًا.
العديد من المشاهد المصورة التي نشرها مستوطنون إسرائيليون في المدن والبلدات المستهدفة عبر مواقع التواصل الاجتماعي أوضحت فشل منظومة "القبة الحديدية"، التي طالما تفاخرت حكومة الاحتلال بأنها "فخر الصناعة العسكرية الإسرائيلية" في إصابة أو إسقاط صواريخ المقاومة، فضلًا عن سقوط بعض صواريخ تلك القبة فوق المدن المستهدَفة، ما يضع علامات استفهام حول جدوى الاعتماد عليها في مواجهة صواريخ المقاومة، الأمر الذي دفع عددًا من مسئولي الاحتلال إلى تسويغ ذلك الفشل بوجود خلل فني دون توضيح نوعية ذلك الخلل.
نجحت المقاومة الفلسطينية مرات عديدة في كشف هشاشة منظومة "القبة الحديدية" بإعلانها مواعيد إطلاق رشقاتها الصاروخية باتجاه المدن والبلدات الفلسطينية المحتلة، لا سيما مدينة (تل أبيب) التي حددت المقاومة مواعيد قصفها مرارًا، في حين كانت تفشل منظومة "القبة الحديدية" في اعتراض الرشقات الصاروخية أو الحد منها في كل مرة، ما يشير إلى اتّباع المقاومة الفلسطينية تكتيكات عسكرية للتمويه على تلك المنظومة، واختراق مناطق حمايتها والوصول إلى أهدافها بدِقَّة.
أبرزت الجولة الحالية من المواجهة بين المقاومة والاحتلال، لا سيما نجاح المقاومة في قصف مطار "رامون" الذي يقع جنوب فلسطين المحتلة، ويبعد مسافة 220 كم عن غزة؛ نقاط ضعف عديدة تعانيها المنظومة "القبة الحديدة"، من أبرزها عدم قدرتها على التعامل مع رشقات صاروخية كثيفة ومتتالية، وهي نقطة الضعف التي ساعدت المقاومة الفلسطينية على تجاوز تلك المنظومة بسهولة كبيرة، إضافة إلى إطلاق المقاومة صواريخ موجهة إلى الطوابق العليا في مباني الاحتلال المرتفعة، الأمر الذي أعاق قدرة تلك المنظومة على إسقاط صواريخ المقاومة، علاوة على استفادة المقاومة من الوقت المستقطع لإعادة تعمير "القبة الحديدية" بصواريخ الاعتراض في كل مرة فيها تقصف المدن والبلدات المحتلة.
التكلفة العالية لاستخدام منظومة القبة الحديدية التي تتجاوز تكلفة صاروخ الاعتراض منها خمسين ألف دولار مقارنة بالصواريخ التي تطلقها المقاومة الفلسطينية التي تصل تكلفة الواحد منها إلى بضع مئات من الدولارات رجّحت كفة المقاومة الفلسطينية، التي نجحت في استنزاف موازنات جيش الاحتلال مع كل رشقة صاروخية تطلقها من غزة، وتحقق أهدافها في عملية الاستنزاف بمجرد إطلاقها في سماء غزة، وقبل وصولها إلى أهدافها في العمق الفلسطيني المحتل.
اعتماد المقاومة الفلسطينية سياسة التشتيت وإضعاف تركيز منظومة "القبة الحديدية" بتوسيع قطر إطلاق الرشقات الصاروخية أدى إلى نجاحها في إطلاق أكثر من ثلاثة آلاف وثلاثمائة صاروخ باتجاه المدن والبلدات المحتلة، منذ اشتعال جولة المواجهة الحالية في العاشر من شهر مايو الحالي، ووصولها إلى مساحات أكثر اتساعًا، الأمر الذي يهدد غالبية القواعد العسكرية الإسرائيلية، والمناطق الإستراتيجية الحساسة شمال وجنوب فلسطين المحتلة.
واليوم مع تواصل إطلاق الرشقات الصاروخية من غزة، ووصولها إلى مدن المركز، يتّضح أن المقاومة نجحت في توجيه ضربة قاصمة إلى منظومة "القبة الحديدية"، وإرباك الإستراتيجية الدفاعية لجيش الاحتلال، وأنها تمارس المزيد من الضغوطات الميدانية على حكومة الاحتلال لدفعها لقبول شروط المقاومة قبل إنهاء هذه الجولة من المواجهة، وأنها ما زالت تمتلك الكثير من الأوراق، وهي تستطيع إذا أرادت أن تصل برشقاتها الصاروخية إلى ما بعد (تل أبيب)، ولن تستطيع منظومة "القبة الحديدية" فضلًا عن غيرها من المنظومات الدفاعية إسقاط صواريخ المقاومة أو الحد من وتيرة إطلاقها.