يطرح جزء من الحريصين على مستقبل القضية الفلسطينية مقترح تخلي حركة حماس عن مقاليد السلطة في قطاع غزة، ومغادرة المشهد السياسي بشكل كامل لتتفرغ لمشروع المقاومة، ويبدأ الرئيس محمود عباس وسلطته وحركة فتح إجراءات بسط السيطرة على غزة، لتعمل على تفكيك الأزمات وإنهاء الحصار.
في المقابل يرفض كثيرون من الحريصين على مستقبل القضية الفلسطينية هذا المقترح، ويطرحون مبررات وأسبابًا منطقية، منها أن حماس جزء أصيل من الشعب الفلسطيني، لن تأتي من المريخ، وهي تجمع بين شرعيتين: دستورية – ثورية، من غير المقبول أن يطلب منها التسليم وكأنها قوة احتلال. والأصل في المعالجة أن تكون على قاعدة الشراكة والاحتكام لوثائق المصالحة الموقعة بين الطرفين فتح وحماس.
حالة الانقسام والاصطفاف والاستقطاب بالحالة الفلسطينية كبيرة وكبيرة جداً، شريحة من أنصار الفريق الأول أصحاب فكرة تسليم حماس الحكومة في غزة، ترى بمن يرفض التسليم وكأنه الحريص على كرسي تم تشييده على آهات الناس وعذاباتهم نتيجة الحصار وسوء الإدارة، بينما الشريحة الأخرى تريد أن تتجاوز الحصار بأي شكل من الأشكال.
الفريق الثاني جزء منهم يرفضون تسليم الحكم في غزة لعباس انطلاقاً من انتمائهم السياسي لحركة حماس، والجزء الآخر يرى في هذا الطرح نكبة جديدة على الشعب الفلسطيني، وذلك عبر طرح السيناريو ومحاكاة المشهد ما بعد السيناريو على النحو التالي:
السيناريو: موافقة حماس على دعوات فصائلية وشعبية بتسليم كافة المؤسسات للسلطة الفلسطينية، ووافقت الحركة على التنازل عن ملف موظفيها وتركته لعباس يتصرف كيفما تقتضي المصلحة الوطنية.
محاكاة المشهد ما بعد السيناريو:
بارك عباس وحركة فتح خطوة حماس، وبدأت خطوات التسلم والتسليم، وأرسل عباس قوة خاصة من قواته حرسه من رام الله لقطاع غزة لمرافقة فريق خبراء وطاقم حكومي رفيع المستوى، وأصدرت الحكومة بياناً لموظفي غزة بالذهاب للوزارات والتواجد فيها، وبدأ المجتمع الدولي خطوات الدعم المالي والعسكري للحكومة في غزة، فبدأت شاحنات الأسلحة بالتدفق إلى غزة، وبدأت الأزمات تتلاشى.
بعد عدة شهور من إجراءات التمكين الحكومي، سيبدأ المانحون الضغط على السلطة في قطاع غزة بضغط من تل أبيب، لتحديد موقف السلطة من سلاح المقاومة، ومن أنفاقها، وتهريبها للسلاح وتصنيعها له، وستكون السلطة بين خيارين أحلاهما مر: إما رفض طلب المجتمع الدولي بتفكيك سلاح المقاومة وبنيتها العسكرية، وسيكون المصير الحتمي هو الحصار المشدد. أو القبول بإجراءات جمع السلاح فيصطدم سلاح السلطة مع سلاح المقاومة، وتبدأ أول فصول الحرب الأهلية الطاحنة.
يضاف إلى ذلك مجموعة من الألغام التي قد تنفجر في أي لحظة مثل: عدم إنجاز المصالحة المجتمعية وإنهاء تداعيات الانقسام وأهمها قضايا الدم، وملف موظفي غزة الذين يمثلون ربع مليون مواطن في قطاع غزة.
يبقى السؤال الأخير، ما العمل...؟
لابد من الوحدة الوطنية ولا بديل عنها، ولكن ينبغي أن تكون وحدة وطنية حقيقية قائمة على قواعد متينة، تبدأ فصولها بالمصالحة المجتمعية، وتأسيس ثقافة الشراكة والديمقراطية وتعزيز المواطنة، ووضع استراتيجية وطنية لتحصين جبهتنا الداخلية، فلسان حال المواطن: لا نريد مصالحة من شأنها أن تعيدنا لمربع الاقتتال، ولا نريد انقساماً يدمر قضيتنا ومستقبل شبابنا، من هنا ينبغي أن ينطلق المثقفون والنخب للبحث في تحقيق تلك المقاربة، وتعزيز الوعي الجمعي الفلسطيني ليكون داعماً ومسانداً لذلك. فالتحديات التي تعصف بقضيتنا كبيرة، والمتغيرات في الإقليم تنذر بتحولات ينبغي أن يكون صانع القرار مدركها.