ما أقرب اليوم من البارحة، فقد صمد الأسرى الفلسطينيون في إضرابهم المفتوح عن الطعام لمدة 41 يومًا، بشكل لم يتوقعه العدو الإسرائيلي نفسه، ورغم قصف الجوع، وتدمير خلايا الجسد، إلا أن الأسرى فاجؤوا جلادهم بحنكتهم، وقدرتهم على التنظيم، واستعدادهم للتضحية، تماماً كما صمدت غزة سنة 2014، في وجه الجيش الصهيوني لمدة 51 يوماً، مارس خلالها العدو الإسرائيلي كل أشكال التدمير، والقتل وقصف الطائرات وإطلاق القذائف على المدنيين بشكل إرهابي.
لم يكن صمود الإنسان الفلسطيني والاستعداد للتضحية قاسمًا مشتركًا بين إضراب الأسرى في السجون الإسرائيلية والحرب الإرهابية على قطاع غزة، بل كان القاسم المشترك هو:
1ـ تخاذل السلطة عن نصرة غزة في حربها تماماً كما تم خذلان الأسرى في معركتهم، حيث لم يسمح في عدوان 2014 للمواطن الفلسطيني في الضفة الغربية بالخروج إلى الشوارع الالتفافية ومقارعة المستوطنين، وهذا ما حدث في معركة إضراب الأسرى سنة 2017، حيث حالت الأجهزة الأمنية دون تحول التضامن الشعبي إلى مواجهات تربك حسابات الاحتلال الإسرائيلي.
2ـ مشاركة القيادة الفلسطينية في مفاوضات اللحظة الأخيرة لإنهاء العدوان على غزة سنة 2014، ومشاركة القيادة نفسها في مفاوضات اللحظة الأخيرة لإنهاء معركة الأمعاء الخاوية، في عمل سياسي لا هدف منه إلا إنهاء المعارك دون الاهتمام بالنتائج، ودون السماح للمقاومين بقطف ثمار الصمود والمواجهة، الذي سيشير حتماً إلى عجز القيادة، وتخاذلها.
ومهما كانت النتائج غامضة أو متشابهة بين معركة غزة ومعركة الأمعاء الخاوية خلف الأسوار، إلا أن الذي انتصر في الحالتين هو الإنسان الفلسطيني الذي أثبت أنه صاحب حق عنيد، وأنه يمتلك الطاقات القادرة على تغيير معادلة الاستلام، والهزيمة، وتحدي جبروت العدو.
إن الذي انتصر في معركة الأسرى هم الأسرى أنفسهم، ولا فضل لأي جهة سياسية فلسطينية عليهم، ولا قيمة لأي حديث عن تدخل رئيس السلطة محمود عباس لدى المستويات السياسية، وذلك لأن المعلومات المهربة من خلف الأسوار تفيد بأن جهاز المخابرات الإسرائيلية قد أوصى المستوى السياسي بضرورة الاستجابة لكثير من مطالب الأسرى قبل فقدان البوصلة، لذلك جرى التفاوض مباشرة بين قادة الإضراب وعلى رأسهم الأسير مروان البرغوثي، وجهاز الأمن الإسرائيلي ومصلحة السجون لمدة عشرين ساعة، توصل خلالها الطرفان إلى الاتفاق الذي رعاه الصليب الأحمر، والذي اعترض عليه وزير الحرب ليبرمان، خشية أن يشجع ذلك على أسلوب لي ذراع إسرائيل، وكسر عنادها، فكان التوافق أن يتم التفاهم من خلال تدخل رئيس السلطة.
ولو كان لرئيس السلطة هذه القوة في التأثير على القرار الإسرائيلي، فلماذا تأخر الرئيس في التدخل لمدة 41 يوماً، ترك خلالها الأسرى يموتون جوعاً خلف القضبان؟
إن كل محاولة لإفساد مذاق النصر، ونسبه إلى محمود عباس فيه استخفاف بأكثر من 41 يوماً من المعاناة التي لا يقوى عليها محمود عباس وكل أعضاء اللجنة المركزية؛ الذين ركبوا الموجة، وأعلنوا عن انضمام الأسير كريم يونس إلى عضوية لجنتهم، في خطوة خبيثة تهدف إلى ركوب موجة الإضراب، والتحايل على الغضب الجماهيري، فالأسير كريم يونس في غنى عن التكريم الرمزي، وهو يعرف أن عضويته في اللجنة المركزية لن تضيف له تكريماً بعد 34 عاماً خلف الأسوار، تخلت عنه القيادة بوقاحة منقطعة النظير، وما قيمة الموقع الذي سيشغله كريم يونس من حيث الشكل، وهو يعرف أنه لن يؤثر في القرار السياسي الفلسطيني تماماً مثله مثل مروان البرغوثي عضو اللجنة المركزية الغائب عن التأثير في القرار السياسي.
وكما حرص بعض الخبثاء على التقليل من صمود المقاومة وانتصار غزة سنة 2014، سيحرص الخبثاء أنفسهم بعد يومين على التقليل من قيمة صمود الأسرى، والاستخفاف بانتصار إرادة الأسير على جبروت السجان، ستخرج هذه الأصوات لتحرض على من قاد الإضراب، وعلى الأشخاص الذين تسببوا في دمار حياة الأسرى، وتدمير أجسادهم، في خطوات إعلامية مدروسة لا تهدف إلا إلى نزع روح المقاومة من تفكير الإنسان الفلسطيني.