صعَّدت الحكومة الإسرائيلية ضد حي الشيخ جراح في القدس كمقدمة لابتلاع القدس بالقوة وإفراغها من سكانها. كما أن التوقيت والعنف مع سكان القدس رسالة إلى السلطة بأن إجراء الانتخابات الفلسطينية في القدس صار مستحيلا، لأن الانتخابات في القدس رمزية للسيادة عليها.
وقد رافق حملات الشرطة هجمات خنازير المستعمرين ومعهم الحاخامات الذين يجيزون إبادة العرب وليس مجرد طردهم، وهي رسالة للمشايخ المحيطين بالحاكم العربي يزينون له سوء عمله افتراءً على القرآن والسنة بأن يقابلوا ذلك بالدعوة إلى حسن الخلق والتسامح مخافة أن يُتَّهم الإسلام بالإرهاب وهم يعلمون جيدا أن الإسلام دين الله يدافع عنه، وأن أتباع الإسلام هم من يسيئون إليه. الرمزية الأخيرة هي رسالة لليوم العالمي للقدس، بأن القدس لليهود على الأرض مهما كانت مظاهر احتفالاتكم ومسيراتكم وخطبكم.
في هذه المناسبة أرى أن ندافع عن القدس ضد هذه الهجمة على كل المستويات:
أولا: المستوى العربي والإسلامي، فلا بد من تحرك دبلوماسي عربي وإسلامي تجاه (إسرائيل) والمنظمات الدولية، خاصة منظمة التعاون الإسلامي التي قامت أصلًا لنصرة القدس، فإذا تقاعست فلا معنى لوجودها. فإذا كان سبب قيامها هو حريق الأقصى فما بالنا بهدم الأقصى نفسه؟
ونميز بين الدول والشعوب، فالدول قسمان؛ قسم يعترف بـ(إسرائيل) ويقيم معها أفضل العلاقات مثل: مصر والأردن، ودول أخرى في القسم نفسه ما تزال في شهر العسل مع (إسرائيل)، وهي: الإمارات والبحرين والسودان. أما المغرب فملكها تاريخيا هو أمير المؤمنين رئيس لجنة القدس في منظمة التعاون الإسلامي، وهذه الوظيفة تمنعه من الاعتراف بـ(إسرائيل) بلا حدود أو تحفظات في ظرف تضم فيه (إسرائيل) مدينة القدس. فعلى الأقل يبرئ الملك محمد السادس ذمته أمام الله وأمام المسلمين في العالم ببيان يستنكر فيه الهجمة البربرية على سكان القدس.
وأحذر الدول المعترفة بـ(إسرائيل) بأن سكوتها يعني موافقتها على إجراءات (إسرائيل) وربما بالاتفاق معها في بعض الأحيان، هذه الدول لا بد أن تلحظ أن كل الثورات العربية التي انفجرت عام 2011-2012 قد طالبت بالحرية لكل الشعوب بما فيها الشعب الفلسطيني، ولكنها لم تعادِ (إسرائيل) أو الولايات المتحدة. وبالطبع فإن هذه الثورات قد تم التعامل معها بطرق مختلفة، بحيث عادت القوى التي قامت الثورة ضدها بأشرس مما كانت، بل وحظرت أي مظاهرات لأي سبب؛ مخافة أن يعصف بها الشارع العربي مرة أخرى، فقتلت الشارع العربي وازدادت في المظالم ضده وقمعته وشوهت ثوراته بالطريقة نفسها في كل بلد عربي. المهم انتصرت قوى الأمر الواقع على قوى التغيير، وتمسكت بشراسة بالسلطة، فأصبحت مبررات الثورة أضعاف المبررات التي حركت 2011-2012 خاصة بعد أن انكشف أن (إسرائيل) طرف في كل حالات إخماد هذه الثورات التي ثبت فشلها لعشرات الأسباب، ولكن دواعي التغيير تزداد كل يوم، وصار في كل بلد عربي فريقان: فريق متحكم في السلطة والثورة وأدوات القمع، وفريق آخر وهو الأغلبية ضحية التردي والتمييز والقمع. وكان حظر الشارع العربي أهم إجراء حتى لا ينفجر الشارع في وجه السلطة العربية وتحالفاتها المصلحية والصهيونية. وكانت القضية الفلسطينية أكبر ضحايا هذه التطورات. وعلى كل حال فموضوع الثورات يخضع لتحليل موسع وتأمل عميق، ولكنها صراع بين فريقين؛ الأول ضحية والثاني يرفض أي تغيير ويستفيد من فرض الأمر الواقع. كذلك فإن دور التيارات الإسلامية في هذه الثورات محل دراسة وبحث معمقين من منظور مصلحة هذه الثورات.
فأمام الحكام العرب طريقان لا ثالث لهما. الأول أن يُنسقوا مع صديقتهم (إسرائيل)، بحيث تكف أذاها عن الفلسطينيين، خاصة في القدس، أو يكونوا بشكل ما حماة للقدس من التحول من المزاعم والسياسات إلى التنفيذ. الطريق الثاني أن الشارع يغلي لأسباب خاصة بكل دولة وشعوره أن الحكام هم من مكَّن (إسرائيل) من الاستخفاف بالعرب، فينفجر الشارع إذا ضاعت القدس واستمر موقفهم. فتواصلهم مع (إسرائيل) هو صمام أمان لهم ضد الانفجار بأسبابه المتراكمة، والقدس هي القشة التي تقصم ظهر البعير.
بعد ذلك تتوزع المسؤوليات.
أولا: مطلوب من السلطة الفلسطينية إدارة المعركة السياسية والدبلوماسية مع (إسرائيل).
ثانياً: كذبت (إسرائيل) بنفسها مزاعمها بأنها محاطة بمحيط عربي معادٍ، والحق أنها هي من حول هذا المحيط إلى حاضن لـ(إسرائيل) على الأقل على مستوى الحكام، وكان البرادعي يردد في (إسرائيل) عام 2007 أن لها الحق في حيازة السلاح النووي؛ وقاية لها من بيئة عربية تتحفز للفتك بها، فنجحت (إسرائيل) في أمرين؛ الأول: التعاون مع الحكام في قمع الشعوب وقبولها لكل تصرفات (إسرائيل) تحت ستار أنها دولة متعاهدة ومسالمة، والثاني: أنها حولت طاقة العداء لها إلى عدوها الوجودي، وهي إيران فصارت إيران وليس (إسرائيل) هي العدو والخطر، واستخدمت في ذلك الأكاذيب والإعلام العربي في قسم منه، ومن ناحية ثالثة صرفت بعض الشباب المسلم إلى المنظمات الإرهابية بعيدا عن الأقصى.
ولذلك يجب أن يدرك الشباب المسلم أن قضيته هي القدس والأقصى، وأن (إسرائيل) هي العدو الوجودي للعرب والمسلمين، وكفى ضياعا للشباب المسلم الذي أخلص للإرهاب في غير موضعه.
ثالثاً: مطلوب من العرب والمسلمين في أوروبا وأمريكا الاستفادة من حرية التعبير والحركة والتواصل في معركة الوعي وكشف الأكاذيب الصهيونية. وبهذه المناسبة فإن (إسرائيل) مع شق من الإعلام الرسمي العربي نجحت في الترويج لنظرياتها حول القدس، ولذلك لا بد من حملة ثقافية شاملة لإطلاع الشباب العربي على حقائق القدس وزيف الدعاوى الصهيونية ونظرية الاسترداد. وقد كتبت في ذلك عدة كتب منها: القدس لمن: اقرأ – دار المعارف المصرية 2006، والمركز القانوني للقدس، 2012 هيئة الكتاب المصرية، و(إسرائيل) والقانون الدولي (بحث في كتاب بهذا العنوان صادر من مركز الزيتونة في بيروت عام 2013)، وأخيرا كتاب صادر عن مؤسسة القدس عام 2015 حول القدس في المقررات الدراسية العربية والإسرائيلية فضلا عن عشرات المقالات المنشورة في مختلف الصحف والمواقع.
رابعاً: الأمم المتحدة، يجب على الأمم المتحدة أن تطبق قراراتها في القدس، وقد طلبت السلطة بالفعل من مجلس الأمن ذلك.
خامسًا: الغرب ويشمل أوروبا والولايات المتحدة، ويفاخران بأن (إسرائيل) دولة ديمقراطية متحضرة، و(إسرائيل) نفسها تفخر بأن لديها فائضا أخلاقيا، وبالذات الجيش، وعلى العرب أن يتابع الأيقونة التي زرعها لكي تنشر الحضارة والديمقراطية في صحراء العرب السياسية الجرداء، فنشرت الخراب وحاربت الأخلاق وانتهكت القانون الدولي وأهدرت هيبته. كما أن سلوك (إسرائيل) يكذب مزاعمها في أنها عندما تسيطر على القدس ضمانًا لحرية العبادة، فإذا بها تمنع حرية العبادة وتستولي على دور العبادة وتدعي خرافات ومزاعم حول المسجد الأقصى.
وليس من العدل أن يترك الفلسطينيون وحدهم وهم عزل في محيط عربي مستسلم.
فنصرة القدس واجب ديني، وأقترح أن يقاطع المسلمون الحج والعمرة احتجاجا على عدم تحرك السعودية، فلا عبرة بطقوس العبادات ما دام المسلمون يتفرجون على ضياع القدس والأقصى.
بل إنني أنصح الفلسطينيين باستخدام كل الوسائل بما في ذلك العمليات الاستشهادية التي كادت أن تطرد (إسرائيل) من المنطقة لولا تواطؤ العرب خاصة رجال الدين الذين هاجموا هذه العمليات وأظهروا أنها عمليات إرهابية وكأن بطش (إسرائيل) بالمكان وأهله جهاد في سبيل الله.
والعمليات الاستشهادية هي آخر سلاح في يد شعب يُصفّى، فخير له أن يموت دفاعا عن مقدساته من أن يموت علي يد الصهاينة وينكل به.
أرجو من قيادة فلسطين بكل أجنحتها أن تدرس هذا الاقتراح، ونهيب بالشباب الذي تحمس للإرهاب لكي يُكفِّر عما فعل، فهي أشرف معركة في سبيل الله.
أعلم أن بعض المتنطعين سوف يجادلون جدال الخراف، وهو الحض على الإرهاب، وليدلونا عن طريق آمن نحفظ به كل الدماء ونوقف التتار الصهاينة. ليتوقف كل متنطع عن النقد حتى يقدم هنا البديل، وإلا فهو داعم للإرهاب الصهيوني