فلسطين أون لاين

"لمسة طيبة للأسرى فيها"

"تصنعه بحُبٍّ".. تكية بغزة تُوفِّر الطعام للصائمين

...
غزة/ ريما عبد القادر:

بنشاط مثل النحلة في حبها للعمل الخيري تبدأ سميرة أبو عمرة وفريقها من أفراد عائلتها بتجهيز الخضراوات، والرز وقطع الدجاج؛ لتعد منه طبقًا "يُصنع بحب" في تكية سمتها "تكية سيدنا إبراهيم عليه السلام"، لإطعام الصائمين المتعففين في غزة.

وتأتي هذه المبادرة في إطار التعاون والتكافل الذي حث عليه الإسلام وقد ضرب الأشعريين أروع الأمثلة في التعاون حيث قال النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عنهم: "إِنَّ الأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الغَزْوِ، أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ، جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ، فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ".

وترجع فكرة المبادرة التي حملت اسم "تكية سيدنا إبراهيم عليه السلام" في مدينة غزة تيمنًا بالتكية الإبراهيمية المقامة في مدينة الخليل التي تقدم الطعام المجاني للمتعففين والأسر المحتاجة على مدار العام وخصوصًا في شهر رمضان، الأمر الذي جعل المدينة تكتسب شهرة واسعة بأنها "المدينة التي لا تعرف الجوع أبدًا".

ويعود تاريخ التكية لعهد النبي إبراهيم عليه السلام، حيث أسسها في عام 1279م السلطان قلاوون الصالحي في زمن صلاح الدين الأيوبي مطلقًا عليها اسم "الرباط"، وبعد ذلك أطلق عليها السكان اسم "الطبلانية" لأن العاملين فيها كانوا يدقون الطبول إيذانًا ببدء تقديم الطعام صباحًا ومساءً.

وقد أنشئت لتقديم الطعام لفقراء المدينة وأهل العلم فيها وضيوفها، إكراما للنبي إبراهيم عليه السلام الذي كان معروفًا بكرمه حيث وُصف بأنه "أبو الضيفان" حيث كان لا يأكل إلا مع ضيف كما كان يقدم الطعام لعابري السبيل.

بدايات بسيطة

ومن الخليل إلى غزة حيث تكية سيدنا إبراهيم عليه السلام، بدأت الفكرة بإمكانات بسيطة جدًا من حيث المكان الذي كان غرفة تغطيها ألواح معدنية "الزينكو" وعلى الرغم من ذلك فإن وازع الخير في داخل فريق سميرة جعله أكثر قوة في تحدي الصعوبات والإمكانات البسيطة.

وفي الوقت الذي كانت فيه سميرة المكناة "أم محمد" مشغولة جدًا في تجهيز أغراض الطعام؛ لتعده لفطور الصائمين، كان حديث المنسقة الإعلامية وكذلك المساعدة في الطهي ضمن فريق التكية بالوقت ذاته سلسبيل أبو عمرة لصحيفة "فلسطين":" حينما بدأت الفكرة كانت الإمكانات بسيطة لكن حب الخير أكبر من هذه الإمكانات، وكانت بداية العمل تتمثل في مبلغ لا يزيد على (40دينارا) ففكرت "أم محمد" القائمة على الفكرة في أن تشتري بهذا المال طعاما ممكن أن يطهى بكميات كبيرة حتى وإن كان يحتاج إلى جهود كبيرة المهم أن تكون التكلفة قليلة والكمية كبيرة مع الحفاظ على الطعم الطيب".

وتتابع:" كانت الأكلة الأولى التي وُزعت للمتعففين هي السبانخ حيث تكلفته قليلة وكميته كبيرة حتى توزع على أكبر عدد من العائلات، وإن كان يحتاج لكثير من الجهد لكن روح الخير والتكافل الموجودة في قلب الفريق كانت تزيل تعب ساعات طويلة".

إقبال مشجع

وبعد أن أخذت رائحة الطعام الطيبة تفوح في المكان حيث صنعت بوصفة خاصة تتمثل بكثير من حب العمل الخيري، وكمية كبيرة من روح التكافل، وقطع من الرغبة الكبيرة في إسعاد الآخرين وخاصة في شهر رمضان المبارك، تقول سلسبيل:" بعد أن جهز الطعام وجدنا إقبالا كبيرا لم نكن نتوقعه، وهذا كان مشجعًا لنا للعمل في كل الظروف".

وتشير إلى أن العمل أخذ يتطور فأصبح للتكية مطبخ من الباطون، ويتم العمل في تقديم الطعام كل اثنين وخميس، لكن في شهر رمضان المبارك الأمر مختلف حيث يوزع الطعام بناء على التبرع الذي يُحصل عليه، وعدم الاكتفاء بيومي الاثنين والخميس.

وعن طبيعة التبرع، توضح: البعض يتبرع بمال، وآخرون يتبرعون بالخضراوات والدجاج ويطلبون من التكية طهو الطعام.

وفيما يتعلق بعدد العائلات التي تحصل على أطباق الطعام، تبين أنه في بداية الأمر كانت ما يقارب 25-30 عائلة لكن اليوم تقريبًا 100 عائلة يُتواصل معها عبر إرسال رسائل نصية بالحضور لاستلام وجبة الطعام بشكل نظيف ومرتب.

وعن ساعات العمل الخيري، تشير إلى أن ذلك يعتمد على طبيعة الطعام فمنها يحتاج للعمل منذ الظهر ومنها عند العصر، وفي كل الأحوال لا بد أن يكون جاهزا تماما الساعة السادسة حيث تكون هي ذاتها ساعة التوزيع.

وبروح العمل الخيري الذي كان واضحا عليها وهي تتحدث عن هذه المبادرة وساعات العمل فيها تقول سلسبيل:" كل التعب يذهب بمجرد أننا نتذكر أن هذا العمل خالص لله تعالى، وأن من هذا التعب سيسعد الكثير من العائلات الفقيرة وسيجدون فطورهم لهذا اليوم".

تبرع الأسرى

ومن التبرعات التي كانت لها بصمة في القلب، ومن الصعب أن تغيب، كانت من الأسرى، إذ تقول سلسبيل:" لقد علم الأسرى بهذه التكية فطلبوا من أهلهم التبرع لنا من أجل إفطار الصائمين، فكانت لمسة طيبة جدًا منهم".

وتوضح أن هذا التبرع كان له طعم خاص شجعهم أكثر على العمل من أجل مساعدة العائلات المستورة.

السعادة والدعاء الطيب في هذا الأيام الفضيلة كانا كفيلين بأن يقلبا ساعات التعب الجسدي في العمل على إعداد وجبات إفطار الصائمين، إلى راحة نفسية لفريق "تكية سيدنا إبراهيم عليه السلام" خاصة حينما يتذكرون قول رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا".