مناشدات عديدة أطلقها أهالي حي الشيخ جراح في مدينة القدس المحتلة بعد تهديدات الاحتلال لهم بضرورة إخلاء عشرات المنازل التي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم ليحتلها مستوطنون بقوة السلاح وبقرارات شكلية اعتادت إصدارها محاكم الاحتلال لصالح المستوطنين اليهود.
معاناة أهالي الشيخ جراح هي فصل جديد من فصول النكبة الفلسطينية، وهي مشهد مصغر لعملية تهجير الشعب الفلسطيني عام 1948 حين طردت عصابات الاحتلال أكثر من ثمانمئة وخمسين ألف فلسطيني من أراضيهم تحت تهديد السلاح، واستولت على ديارهم بعد ارتكابها عشرات المذابح التي راح ضحيتها ما يقرب من خمسة عشر ألف شهيد فلسطيني آنذاك.
حي الشيخ جراح الذي وضع الاحتلال مخططات تهجير الفلسطينيين منه منذ عام 1972 كان قد سكنه لاجئون من الداخل المحتل في إثر النكبة الفلسطينية، قبل أن يصبح عام 1956 حيا سكنيا بالتوافق بين المملكة الأردنية ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الأونروا، ومنذ خمسة عقود يطالب أهالي الحي محاكم الاحتلال بإثبات ملكيتهم لبيوتهم وأراضيهم دون جدوى.
واليوم يواصل الاحتلال سياسته الاستيطانية من خلال الاستيلاء على أراضٍ تتجاوز مساحتها أكثر من ثمانمئة دونم من حي الشيخ جراح بالقدس، والاستيلاء على ثمانية وعشرين منزلا فلسطينيا، وتشريد خمسمئة مقدسي من أهالي الحي بهدف استكمال تهويد مدينة القدس وإقامة مئتي وحدة استيطانية فوق أراضي الحي واستجلاب مستوطنين يهود للاستيطان فيها.
ورغم ان أهالي حي الشيخ جراح استعانوا بعشرات المنظمات الحقوقية لإثبات ملكيتهم للأرض، ومحاكمة الاحتلال أمام المحاكم الدولية لدفعه إلى التراجع عن تلك السياسات العدوانية فإنهم ما زالوا بحاجة ماسة إلى مؤازرةٍ من أصحاب الضمائر الحية للحيلولة دون قيام جيش الاحتلال بتهجيرهم من ديارهم خلال الأيام القريبة المقبلة.
يعتمد الاحتلال في سياسته الاستيطانية في مدينة القدس المحتلة على حرمان الفلسطينيين حيازة أي أوراق قانونية تثبت حقهم في التملك، كما يمنعهم من تشييد أي مبانٍ جديدة أو ترميم منازلهم وعقاراتهم المتهالكة، كما ويفرض عليهم ضرائب باهظة في سياسة تهجير خفية، تهدف إلى تفريغ المدينة المقدسة من أصحابها الفلسطينيين.
وفي المقابل تنشط الجمعيات والمنظمات الاستيطانية الصهيونية في مدينة القدس، وتستعين ببعض السماسرة الذين باعوا أنفسهم للشيطان، أو بعض المطبعين العرب الذين ارتضوا لأنفسهم أن يكونوا أذرعا للمشروع الصهيوني في فلسطين، حيث يحاولون بطرق ملتوية السيطرة على المنازل والعقارات الفلسطينية في مدينة القدس بهدف تسريبها إلى الجمعيات الاستيطانية الصهيونية لتصل في النهاية إلى المستوطنين الصهاينة مستعينين بمحاكم الاحتلال التي تعتمد سياسة التمييز العنصري ضد الفلسطينيين.
المطلوب منا جميعا ألا نترك أهلنا في مدينة القدس وحي الشيخ جراح وحدهم في ميدان المواجهة مع الاحتلال، وعلينا أن نقوم بدورنا في استنهاض أحرار الأمة وشرفائها، وكذلك استنفار الجاليات العربية والإسلامية في الدول الغربية لملاحقه قادة الاحتلال أمام المحاكم الدولية، وفضح زيف ديمقراطيته أمام المنظمات والمؤسسات الدولية، وفضح سياسة الفصل والتمييز العنصري التي تنتهجها حكومات الاحتلال ضد أبناء الشعب الفلسطيني وصولا إلى تثبيت الحق الفلسطيني في أرضنا فلسطين.
ختاما نقول ليس قدر الشعب الفلسطيني أن تستمر معاناته وتتوالى نكباته إلى إشعار آخر، بل علينا أن نعيد توجيه بوصلتنا الوطنية نحو القدس ونستعيد وحدتنا ونعاود بناء قوتنا كي نواجه الاحتلال ومستوطنيه في كل ميادين المواجهة السياسية والقانونية والدبلوماسية والعسكرية.