جاءت تهمتا الفصل العنصري والاضطهاد الواردة في تقرير لمنظمة "هيومن رايس ووتش" لمراقبة حقوق الإنسان، والموجهتان لـ(إسرائيل)، لتثبت مجددًا ما أوردته تقارير صادرة عن مؤسسات حقوقية فلسطينية بارتكاب الاحتلال جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
ويؤكد حقوقيان أن هيومن رايتس ووتش، وصلت إلى هذا الاستنتاج بعد سنوات طويلة، وهي مؤسسة ذات خبرة ومصداقية وتأثير في الرأي العام وتحديدًا في الولايات المتحدة الأمريكية.
واتهمت "رايتس ووتش" ومقرها مدينة نيويورك في تقريرها الصادر، أول من أمس، (إسرائيل) بارتكاب "جريمتين ضد الإنسانية" باتباعها سياسة "الفصل العنصري" و"الاضطهاد" بحق المواطنين في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس والداخل المحتل منذ نكبة الـ48.
وصدر التقرير في 213 صفحة مستندًا إلى مصادر مختلفة بما فيها وثائق التخطيط لدى سلطات الاحتلال.
وقالت المنظمة: إن نتائج تقريرها تستند إلى سياسة حكومة الاحتلال الشاملة للإبقاء على هيمنة الإسرائيليين اليهود على الفلسطينيين والانتهاكات الجسيمة التي تُرتكب ضد الفلسطينيين الذين يعيشون في الأراضي المحتلة، بما فيها القدس.
"الواقع العنيد"
وبينما عدَّ المدير العام لمؤسسة الحق شعوان جبارين أن تقرير المنظمة الدولية نقلة نوعية لا تأتي بسهولة، فإنه يشير إلى أن "حقائق الواقع العنيد" أدت إلى صدور مثل هذا التقرير الذي يدين الاحتلال بقوة هذه المرة.
وبيَّن جبارين في حديث لـ"فلسطين" أن التقرير استغرق إعداده وإصداره قرابة عامين، مشيرًا إلى أن هذا النوع من التقارير الحقوقية تخضع كل كلمة فيه للتدقيق مع دراسة اتجاه وتوجه الحالة فيه، مشيرًا إلى أنه وصل إلى نتائج تقارير ودراسات أعدتها مؤسسات حقوقية فلسطينية منذ عام 2008 و2009.
وقال: من الناحية المنهجية تقرير هيومن رايتس مهم وممتاز استند إلى سياسات وأحداث ووقائع حول الجريمة ضد الإنسانية المتمثلة بالاضطهاد، وهذا أمر كارثي يعيشه الفلسطينيون الفلسطينية تحت الاحتلال، كما وصل إلى استنتاج أن (إسرائيل) تمارس الفصل العنصري، وهو جريمة بموجب ميثاق روما للمحكمة الجنائية الدولية تعرف بـ "أبارتايد".
كما أشار التقرير إلى غزة وخاصة الحصار المفروض والذي يرقى إلى جريمة ضد الإنسانية متمثلة بالاضطهاد، وفق جبارين.
وأمس، علَّق البيت الأبيض على تقرير "رايتس ووتش"، وتبرأ من اتهام المنظمة لـ(إسرائيل) بارتكاب جرائم حرب ضد الفلسطينيين، ورأى الحقوقي جبارين أن ذلك يعكس قلق الإدارة الأمريكية تجاه حليفتها الأولى في الشرق الأوسط، ولأن هذا الاتهام يشكل حرجًا لها.
وقال: الاتهام تحوَّل إلى علامة سيئة تلاحق (إسرائيل) وذلك بأنها الدولة الوحيدة على مستوى العالم التي تمارس الفصل العنصري والاضطهاد، وهذا الأمر سيسبب حرجًا كبيرًا للإدارة الأمريكية وحلفاء الاحتلال".
التقرير والجنايات
وحول مدى إمكانية الاستفادة من التقرير في ملاحقة الاحتلال، أكد أنه عندما تجمَّعت المؤسسات الدولية والوطنية المحلية على نفس الخطاب واللغة، فإنه لا يمكن لأي شخص أن يتجاهل هذا الأمر، لا المحكمة الدولية بإمكانها التجاهل ولا جهة سياسية أو سيادية يمكنها فعل ذلك.
وأوضح جبارين أن المجتمع الدولي بما فيها الإدارة الأمريكية يعلمون مدى أهمية تقرير المنظمة الحقوقية عندما يُتَّهم طرف علنًا بأنه يمارس الفصل العنصري والاضطهاد الممنهج لما يترتب على ذلك من مسؤوليات كبيرة على الدول من أجل التدخل لوقف الجريمة ومساءلة ومعاقبة مرتكبيها.
واستحضر الخبير الحقوقي النموذج الجنوب إفريقي حيث فرضت عليها عقوبات وقاطعتها أنظمة رسمية خضعت للإرادة الشعبية في بلدانها، "وبالتالي الكرة تتدحرج لتظهر وجه (إسرائيل) الحقيقي القبيح"، متوقعًا أن يكون للتقرير صدى على المستوى الشعبي والرسمي والدبلوماسي والبرلماني والدولي.
وأشار إلى تقرير آخر حول نفس عنوان "رايتس ووتش" يتوقع صدوره قريبًا عن منظمة العفو الدولية، موضحًا أن صدور ورقة موقف مختصرة ومكثفة قبل أيام من الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، أكدت أن ما يجري في فلسطين هو فصل عنصري واضطهاد.
وبيَّن جبارين أن التحليل الكامل لما يجري في الأراضي المحتلة، وربطه بما يجري في أراضي الـ48، ووصف (إسرائيل) أنها دولة عنصرية، وكذلك مؤسساتها، هو أهم ما ميَّز تقرير "رايتس ووتش".
من جهته، قال القائم بأعمال المدير التنفيذي لمؤسسة الضمير لحقوق الإنسان علاء السكافي: إن تقرير المنظمة الدولية يحمل الكثير من الدلالات، ويؤكد ما رصدته مؤسسات حقوق الإنسان في السنوات الماضية من انتهاكات ترتكبها قوات الاحتلال وخاصة جريمة الفصل العنصري في الأراضي المحتلة.
وبيَّن أن التقرير يشكِّل أساسًا ممكن البناء عليه أمام الجنائية الدولية؛ لكون تهمة "الفصل العنصري" التي وجهها التقرير للاحتلال الإسرائيلي من ضمن اختصاص المحكمة ويمكن الاعتماد عليه في ملاحقة قادة الاحتلال على جرائمهم بحق الشعب الفلسطيني.