ما نشرته صحيفة القدس المقدسية يوم أمس في صدر صفحتها الأولى أن السلطة الفلسطينية قررت تأجيل الانتخابات نتيجة ضغوط أمريكية وعربية خوفاً من فوز حركة حماس في المعركة الانتخابية يتنافى كلياً مع التصريحات المتكررة لقيادة السلطة وحركة فتح بأنها قد تذهب لتأجيل الانتخابات نتيجة رفض الاحتلال إجراءها في مدينة القدس المحتلة.
نستطيع القول إن خبر صحيفة القدس يشكل فضيحة سياسية مدوية للسلطة الفلسطينية، وارتهاناً للقرار الأمريكي، حيث أوردت الصحيفة أن السلطة قررت تأجيل الانتخابات وفق رؤية الإدارة الأمريكية التي ستنفذ خلال الفترة المقبلة خطوات تساعد في ترجيح كفة المعتدلين في الساحة الفلسطينية، ومنها استئناف مساعدتها لوكالة الغوث "الأونروا"، وتقديم مساعدات للفلسطينيين، وإعادة فتح قنصليتها في القدس، ومكتب منظمة التحرير في واشنطن.
قرار تأجيل الانتخابات الفلسطينية الذي أكدته أيضاً قناة الميادين الفضائية قبل أيام يُتوقع إعلان قيادة السلطة عنه رسمياً بعد اجتماعها مساء يوم غد الخميس في رام الله، وهو يأتي بذريعة رفض الاحتلال إجراء الانتخابات داخل مدينة القدس المحتلة، على الرغم من أن مطالبة السلطة إجراء الانتخابات وفق اتفاقية أوسلو والآليات السابقة تنتقص من السيادة الفلسطينية على المدينة المقدسة، حيث تتم العملية الانتخابية داخل مراكز البريد الإسرائيلية، وبرعاية موظفي البريد التابعين للاحتلال، وهي آلية تحول دون وجود ممثلي لجنة الانتخابات أو ممثلي القوائم الانتخابية، ولا توفر أي رقابة فلسطينية على نزاهة العملية الانتخابية.
تأجيل الانتخابات برغم أنه يناقض الإرادة الشعبية التي تتوق إلى تحسين أوضاعها الاقتصادية، واختيار قيادة حقيقية تمثل الشعب الفلسطيني، ويعارض مساعي غالبية القوى الفلسطينية لإتمام الوحدة وطي صفحة الانقسام، فإن العديد من الأطراف الفلسطينية تستفيد عملياً من تأجيل الانتخابات وفي مقدمتها رئيس السلطة الفلسطينية الذي يتفرد بالقرار الفلسطيني ويتربع على عرش السلطة الفلسطينية منذ ستة عشر عاماً دون منازع، ويتحكّم برغم فشل برنامجه السياسي بالحكومة الفلسطينية والمنظومتين التشريعية والقضائية الفلسطينيتين من خلال المراسيم الرئاسية والقرارات بقوانين التي ما زال يصدرها تباعاً بما يخالف القانون الأساسي الفلسطيني، ويُضعف المنظومة السياسية الفلسطينية، متجاهلاً القوى والنخب الفاعلة في الساحة الفلسطينية.
الطرف الآخر المستفيد من تأجيل الانتخابات هو التيار المحيط برئيس السلطة الفلسطينية، الذي نجح خلال سنوات الانقسام في إقصاء المعارضين لنهج رئيس السلطة، وبناء منظومة علاقات ونفوذ جعلته الأقوى في الضفة المحتلة، فهو يتميز بعلاقات وثيقة من خلال التنسيق الأمني مع الاحتلال، ويُحكم سيطرته لمنافع شخصية على الاقتصاد الفلسطيني الذي بات تابعاً لاقتصاد دولة الاحتلال، ويرفض أي إصلاح للمنظومة السياسية الفلسطينية أو تعزيز المنظومة التشريعية والرقابية على الأداء الحكومي، أو إشراك أي نخب أو قوى فلسطينية فاعلة في القرار السياسي.
الطرف الثالث الذي يرقص طرباً لإلغاء الانتخابات هو الشخصيات التي تعتاش على هامش الانقسام الفلسطيني، والقوى السياسية التي تفتقد لأي رصيد شعبي في الشارع الفلسطيني، التي باتت جزءاً من التاريخ الماضي، فهي تُدرك أن أي انتخابات مقبلة ستكشف سوأتها، وتفضح زيف حضورها في الشارع الفلسطيني، لذلك سمعنا العديد من الأصوات الفلسطينية خلال الفترة الأخيرة تنادي بعدم إجراء الانتخابات دون القدس، في حين أن تلك الأصوات الشاذة لم تقدم للقدس طيلة السنوات الماضية أي دعم سياسي أو اقتصادي بما يعزز من صمود أهلها في مواجهة الاحتلال.
لا شك أن قرار تأجيل الانتخابات بذريعة الرفض الإسرائيلي يشكل انتصاراً للاحتلال، وقبولاً ضمنياً بسيطرته على القدس بوصفها عاصمة سياسية لدولة الاحتلال، خاصة مع عدم وجود ضمانات بتغيّر الموقف الإسرائيلي بشأن القدس في المستقبل، كما أنه يكشف زيف ادعاء السلطة باعتمادها المقاومة الشعبية وسيلة للتخلص من الاحتلال، ويعني عملياً فشل جولات الحوار الفلسطيني في القاهرة، ويحقق انتصاراً للتيار الرافض للوحدة الفلسطينية داخل حركة فتح، ويعمق الأزمة السياسية والضعف الفلسطيني في مواجهة الاحتلال، ويؤدي إلى مزيد من حالة الاحتقان الفلسطيني الداخلي، ويشكل حالة إحباط فلسطينية بشأن إمكان إصلاح المنظومة السياسية المترهلة، ويدفع بالشباب الفلسطيني نحو اليأس من بناء مستقبلهم، وتحسين أوضاعهم المعيشية المتردية.
ختاماً مع تجاهل السلطة الفلسطينية إرادةَ الشعب الفلسطيني، وارتهانها للرغبة الأمريكية، والضغوط الإسرائيلية، فإننا ندعو لتشكيل موقف وطني يضم القوى الفلسطينية، والقوائم الانتخابية التي اجتازت الترشح للانتخابات، للضغط على قيادة السلطة والتيار المهيمن عليها، لضرورة إجراء الانتخابات بوصفها استحقاقًا وطنيًّا ودستوريًّا وفق القانون الأساسي الفلسطيني.
كما ندعو إلى التصعيد الشعبي ضد الاحتلال وتفعيل المقاومة الشعبية التي عايشنا مشاهد منها في باب العمود بالقدس المحتلة قبل أيام، والتوافق مع القوى الفاعلة وأحرار الشعب الفلسطيني على بدائل وطنية تضمن كسر عنجهية الاحتلال وسطوته على الإرادة الفلسطينية، والتخلص من هيمنة البعض على القرار الوطني الفلسطيني.