فلسطين أون لاين

الغزيون والتراويح.. أمل في زوال كورونا وحنينٌ للمساجد

...
غزة- مريم الشوبكي:

تعرّج صوت المسن خالد قاسم (73 عامًا) مُظهرًا حنينه إلى أداء صلاتي العشاء والتراويح في المساجد، بعد أن تسببت جائحة كورونا بإغلاقها مدة، في مسعى لخفض عدد الإصابات بالفيروس.

هذه الخطوة على ضرورتها الشرعية الملحة سببت حزنًا لدى كثيرين اشتاقوا إلى الجو الإيماني والروحاني للصلاة في المساجد، التي حرموا منها رمضان العام الماضي بسبب الجائحة.

اعتاد قاسم الذي يقطن في حي الدرج شرق مدينة غزة أن يذهب إلى فتح أبواب المسجد القريب من بيته قبيل الأذان بنصف ساعة، ويؤذن لصلاة العشاء، لا سيما في شهر رمضان، منذ أعوام طويلة.

يقول لصحيفة "فلسطين": "في المسجد أشعر بالحيوية والنشاط وأنهي صلاتي مع آخر ركعة للإمام، ولكن في البيت مهما بلغت من القوة والنشاط فالكسل يغلبني".

كذلك الشاب محمود حرز يقول: "رمضان بلا صوت المآذن وهي تصدح بأصوات المقرئين في صلاة التراويح لا طعم له، أشعر بالحزن لتوقف أدائها في المساجد، وأتمنى أن تعود الروح مرة أخرى إليها".

ويدعو حرز في حديثه مع صحيفة "فلسطين" إلى الالتزام بالإجراءات الوقائية وتحقيق التباعد، ليعود المنحنى الوبائي للانخفاض، ويعود الناس إلى ممارسة حياتهم الطبيعية، وتقام الصلوات في الجوامع كسابق عهدها.

بسام أبو ناصر طبيب أسرة، يقول بدوره: "نحن الآن في وضع استثنائي مع تفشي فيروس كورونا في قطاع غزة، والصلاة في البيت الواحد أقل خطورة من الصلاة في المساجد".

ويضيف أبو ناصر لـصحيفة فلسطين": "من الأفضل أن تؤدي كل أسرة الجماعة والتراويح في البيت، وفي حالة كان بينهم شخص مصاب يجب أن يبقى منعزلًا ويقيم صلاته وحده دون الاختلاط بأحد".

ويكمل: "نعيش في ظرف طارئ (...) اجتماعنا في صلاة التراويح بالمسجد حاليًّا فيه تحدٍّ لصحتنا، لذا يجب أن نتكاتف للسيطرة المجتمعية الداخلية على الفيروس".

بعضٌ يميل إلى أداء صلاة الجماعة داخل الأسرة الممتدة، أو مشاركة الجيران في أداء التراويح، يشدد أبو ناصر على أن الأصل الامتناع الكلي عن الاختلاط بالآخرين في أثناء الصلاة بالبيوت، إذ نواجه انتشارًا للعدوى داخل الأسر الممتدة، لوجود ثقة فيما بينهم، وهذا يؤدي إلى فتح بؤر جديدة للمرض.

ويؤكد ضرورة اقتصار أداء صلاتي العشاء والتراويح داخل البيت الواحد من الزوج والزوجة والأبناء أيضًا، وفقًا لضوابط الوقاية، والتوقف عن أدائهما بوجود الأقارب والجيران، لتحقيق المغزى المراد من الإغلاق، وهو منع الاختلاط والتجمع.

وكانت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في غزة دعت المواطنين إلى أداء صلاتي العشاء والتراويح جماعة مع الأهل والأسرة في البيوت ابتداء من 22 نيسان (أبريل) الجاري مدة أسبوع، بناء على قرار خلية الأزمة ولجنة الطوارئ العليا فرض الإغلاق الليلي الشامل لمواجهة ازدياد حالات الإصابة بكورونا.

زاوية في البيت

ارتدت ريم ملابس الصلاة واستدارت نحو القبلة في زاوية خصصتها من بيتها لأداء العبادات، لتؤدي صلاة الفجر الأولى في شهر رمضان، ركضت ابنتها مريم لتلتقط غطاء الرأس من الدرج، لبسته بسرعة والتصقت بجانب والدتها الأيمن، أما محمد فاتخذ موقعه على يسارها.

استطاعت ريم جعرور أن تربط طفليها بالعبادات وحثهما على إقامة صلاة التراويح دون مجهود منها بل بتقليد أفعالها، تلمس مقدار استمتاعهما والفرحة التي تملأ قلبيهما في أثناء مشاركتها في الصلوات والدعاء أيضًا، أما هي فتكون في قمة الفخار أنها تمكنت من زرع قيم إسلامية فيهما.

ريم وغيرها من النساء والفتيات فرضت عليهن إجراءات الوقاية من فيروس كورونا عدم إقامة صلاتي العشاء والتراويح في المساجد.

سادت حالة من الحزن لدى كثير منهن، والحنين غلبهن لروحانيات إقامة صلاة التراويح في ليالي رمضان بالمسجد، ويحدوهن الأمل في زوال كورونا.

ريم أم لثلاثة أطفال، تقطن في مدينة غزة، تقول لصحيفة "فلسطين": "أداء صلاة التراويح لا يقتصر على الأمهات، بل الصبايا أيضًا، والسيدات الكبيرات في السن اللاتي لديهن ارتباط أكبر بالمسجد، وخطر إصابتهن بالفيروس أكبر لضعف مناعتهن".

وتبدي ريم تأييدها قرارات الجهات المختصة في قطاع غزة، نظرًا إلى خطورة الوضع وارتفاع منحنى الإصابات.

وتضيف: "المحافظة على النفس من الوباء أولوية في حياة المسلمين"، مكملة: "كلنا شوق لصلاة الجماعة التي حرمنا منها كورونا للعام الثاني على التوالي، لكن الحفاظ على أنفسنا وأهل بيتنا أولى بالتزام الصلاة في بيوتنا".

وتبين ريم أن تخصيص زاوية في البيت للعبادة أمر محمود يجب أن تقوم به كل سيدة في بيتها، وتضفي عليه بعض الزينة البسيطة وتعطر المكان لربط أفراد العائلة وأطفالها به، فهي تمنح البيت عنوانًا إسلاميًّا، وصورة بصرية حسنة ترتبط بأذهانهم.

أصوات شجية

ريما النخالة (30 عامًا) من حي التفاح، تعبر عن حزنها لأنها لن تتمكن هذا العام أيضًا من إقامة صلاة التراويح في مسجدها.

تقول ريما لصحيفة "فلسطين": "شعرت بأن روحي تألمت، افتقدت روحانيات التراويح في المسجد، والخشوع في الصلاة، لا سيما أن مسجد الحي كانت أصوات القراء فيه متنوعة وجميعها شجية".

وتضيف: "كنت أدخل المسجد بنفس صافية، أدع همومي ومشاكلي على عتبته، أشعر بأن صلاة التراويح فيه تغسل النفس من الشوائب وتقربها من ربها، وكنت أحرص على الجلوس في زاوية حتى لا أقابل وجوهًا أعرفها ويمضي الوقت في الحديث".

أيضًا المسنة حياة الشوبكي كانت تهرع إلى المسجد قبيل أذان العشاء بربع ساعة، لتحجز لها مكانًا في الصف الأول بالمسجد، فمنذ 20 عامًا لم تقطع صلاة التراويح يومًا.

كل من في المسجد كان يعرفها، لا سيما الأطفال؛ فهم ينتظرون مجيئها بصبر نافد، ليحصلوا على قطع الحلوى التي كانت تكافئهم بها على التزامهم الهدوء في أثناء الصلاة.

حياة (65 عامًا) من حي الدرج شرق مدينة غزة، كانت تفضل التردد إلى أكثر من مسجد قريب في حيها، لتؤدي صلاة التراويح.

تتمنى أن تعود قريبًا إلى الصلاة في المسجد، قائلة لصحيفة "فلسطين": "أدعو الله أن تزول غمة كورونا هذا العام لنعود إلى ممارسة عباداتنا في المساجد، فمهما أديت التراويح في البيت لا يتملكني خشوع كالذي أشعر به في المسجد، وفي بعض الأحيان أتكاسل ولا أؤدي ركعات التراويح كلها كما كنت في المسجد".