فلسطين أون لاين

زهرةٌ رمضانية (14-15)

...
بقلم الأسير: سامح سمير الشوبكي - سجن ريمون الصحراوي

14) ألقاب

من شهرين كنت ومجموعة من الإخوة الأسرى نجلس في ساحة سجن هداريم، نتحدث ونقفز من موضوع إلى آخر، وكان من بيننا الأسير كريم يونس عميد الأسرى الفلسطينيين الذي قارب عامه الأربعين على التوالي في سجون الاحتلال، وإذا أحد الجالسين يسأل الأخ كريم: "لماذا لا يوجد لك كنية أو لقب؟"، فقال كريم: "لم أفهم ما تقصده؟"، فقال الأخ السائل: "اعتدنا في الحركة الأسيرة إطلاق الأسماء على أنفسنا يعني أبو أحمد، أبو ياسر، أبو إبراهيم، أبو مهند وهكذا، وأنت يا أخ كريم لا نعرف أبو ماذا أنت، ونحن نناديك كريم وأنت في العقد السابع من العمر"، أجاب كريم وقد بدت عليه ملامح الجدية: "أنا اسمي كريم، ولماذا عليَّ أن أكون أبو فلان أو علان؟!"، ثم أضاف مازحًا: "أمي تشاجرت مع كل الحارة من أجل تسميتي كريم، فهل بعد ذلك آتي وأغيره؟! أنا مرتاح ومسرورًا جدًّا عندما تنادونني باسمي".

عندها قلت سبحان الله! أين كريم يونس أسطورة المناضل وعملاق الصبر (بحقّ) وتلك الشخصيات الخداعة في هذا العالم الذين يزينون أنفسهم بالألقاب المبهرجة والرنانة والمسميات الوازنة والملونة الجادة والهزيلة، المنافقة والحقيقية؟! والويل كل الويل لنا إذا كان صاحب منصب هنا أو هناك فعندها حدث ولا حرج، وما أجمل ما جاء في الحكمة: "الألقاب ليست سوى وسام للحمقى، الرجال العظام ليسوا بحاجة لغير أسمائهم"!

في رمضان الحقيقة والوضوح دعونا نتمسك بمن نكون.

15) صداقة

خاطب رحالة الحياة الصداقة فقالوا: "لولاك لكان المرء وحيدًا وبفضلك يستطيع المرء أن يضاعف نفسه، وأن يحيا في نفوس الآخرين"، وهناك من أضاف مفتخرًا: "أصدقاء الصفاء خير مكاسب الدنيا، وهم زينة في الرخاء، وعدة في البلاء ومعونة على الأعداء"، وهي كذلك في حقيقة الأمر، حتى وحوش البر وحوت البحر لا تستوي حياتها بغير زاد الصديق الذي يعين على مكافحة قارضات العيش.

فالصداقة شعلة اللهب التي تنير ظلمة الطريق، وهي دثار الخائفين غدر المجرمين، هي غيمة مكتنزة بالمحبة والنصيحة والإرشاد الجميل، غيمة تهطل على أصحابها بركة ووفاء، لذلك قيل: "الصديق الصالح خير من نفسك"، لماذا؟ لأن النفس أمارة بالسوء والصديق الصالح لا يأمر إلا بالخير.

وفي بلادنا العربية والإسلامية عامة وفي فلسطين التي وقعت في قبضة الغرباء المارقين يجب ألا نبني أسوارًا وهمية فيما بيننا فوق الأسوار والجدران الاحتلالية، ما أحوجنا في هذه الأيام إلى صداقة عابرة للجغرافيا، عابرة للبلديات، عابرة للمصالح المنفعية، عابرة للحزبية العمياء، فالصداقة التي تقابل الأخوة واجبة في دين الله تبارك وتعالى، لذلك علينا الاجتهاد في تشييد جسور الصداقة في أرجاء الوطن الذي يشكو ويلات الاحتلال.

في رمضان الوحدة لنجعل الصداقة على الخير والمعروف والإخلاص والتناصح والتناصر.