اشتعلت شرارة المواجهة في القدس مجددا ودون سابق إنذار في وجه جنود الاحتلال والمستوطنين، في هبة قادها الشباب الذين اشتبكوا مباشرة بالأيدي، والحجارة، والألعاب النارية، وبالأدوات المتاحة رفضا لسياسات الاحتلال العدوانية، وذلك في رسالة واضحة بأن المساس بقدسية ومكانة القدس والأقصى بمكانة شرارة التفجير التي ستحرق العدو.
فالتقى الشباب في ملحمة مباشرة، وداسوا رقاب المستوطنين ولم يردعهم كل التعزيزات العسكرية، ولا حجم الإصابات الذي زاد على (100 مصاب) فضلا عن عشرات المعتقلين، غير آبهين بأي مصير لأنهم ينطلقون بأنفسهم وأرواحهم نجدة للقدس، والأقصى، الذي يتعرض لأكبر عدوان في تاريخه، في ظل الصمت العربي، والخطوات الخجولة من المستوى الرسمي الفلسطيني ممثلا بالسلطة الفلسطينية، والانحياز الأممي للاحتلال.
هبة دفعت الاحتلال الإسرائيلي لتعزيز انتشاره في القدس لمنع وصول الفلسطينيين للمسجد الأقصى، حيث منع الاحتلال أعدادًا كبيرة من الدخول عبر الحواجز العسكرية إلى مدينة القدس المحتلة لأداء صلاة الجمعة الثانية من شهر رمضان المبارك، وذلك بعد مرور يوم دامٍ من المواجهة أثبت خلالها المقدسيون أنهم قادرين على فرض إرادتهم وحماية الأقصى وصد أي عدوان.
وقد تذرع العدو بأن على الفلسطينيين 1- أن يحصلوا على جرعتي تطعيم ضد فايروس كورونا، 2- وأن يحضروا تصريحًا خاصًا للدخول إلى مدينة القدس، وذلك حتى يسمح لهم بالعبور من خلال حواجزه العسكرية، في إشارة إلى عزم الاحتلال على خلق مبررات وذرائع تعوق دخول الفلسطينيين، وإيجاد أسباب إضافية لفرض قيود على حركة المرور.
وذلك على الرغم من علم الاحتلال بأن الجرعات في الضفة غير كافية، وتُعطى لأصحاب الأمراض المزمنة، ومن هم فوق سن الستين، وعليه من الصعب توفرها لكل المواطنين، الأمر الذي يؤكد بأن الاحتلال يضيق الخناق على الفلسطينيين، ويمنع إمكانية تحركهم بصورة طبيعية؛ بحجج وأسباب تتعلق برغبته في محاصرة مدينة القدس، وعزل الأقصى، ومنع إمكانية حشد الجماهير الغاضبة التي تتوافد من كل الأماكن لنجدته في مواجهة هجمات المستوطنين والجماعات اليهودية المتطرفة التي تحرض على قتل الفلسطينيين وتطالب بتفريغ المدينة من أهلها وشاركت في الاعتداء على المصلين عقب الانتهاء من صلاة التراويح، وذلك تحت حماية جنود الاحتلال في مناطق؛ باب العامود، والمصرارة، وباب الساهرة، ومناطق أخرى، الأمر الذي كان سببا في وقوع عشرات الإصابات في صفوف الفلسطينيين.
حيث لم تتوقف قوات الاحتلال عن استخدام الرصاص المطاطي، والغاز المسيل للدموع، والهراوات، تجاه الشباب المنتفض الذي هب للدفاع عن نفسه وعن مقدساته، لكن الشباب استطاعوا كسر إرادة المحتل، وصمدوا في وجه العدوان، وأشعلوا مداخل ومخارج المدينة بمواجهة شعبية عارمة لم يستطع العدو الإسرائيلي السيطرة عليها رغم القمع والملاحقة والاعتقال.
وأمام هذا التحول فإن المشهد يفرض استحقاقات وطنية أهمها:
1-ضرورة دعم صمود المقدسيين في كل المجالات وتعزيز وجودهم وتوفير كل الموازنات اللازمة للنهوض بواقع التعليم والصحة والخدمات الأخرى، 2-تحشيد كل الإمكانات الإعلامية لفضح ممارسات الاحتلال وكشف المؤامرة الكارثية التي يمهد لها العدو، 3-اتخاذ مواقف وطنية داعمة لنضال المقدسيين من خلال شد الرحال للقدس والأقصى وتكثيف الرباط فيه، 4-توحيد الصف الوطني لتكون بوصلة الوحدة تنطلق من هذه المواجهة المفتوحة والدعوة لتصعيدها.
هذه المطالب والاستحقاقات الوطنية تفرضها الهبَّة المندلعة الآن في مدينة القدس واستعدادا لتصعيد المواجهة في وجه دعوات (منظمات المعبد) اليهودية التي تحشد وتُحرِّض المتطرفين اليهود على تنفيذ اقتحام كبير للمسجد الأقصى في "28 رمضان" الجاري بمناسبة ما يسمى " يوم القدس" بالتقويم العبري.
وتبقى قضية القدس والأقصى بوصلة التوجيه التي يمكن أن تفجر انتفاضة عارمة في كل الأراضي الفلسطينية، وحينها سيدرك العدو أن أي عبث بمقدسات الفلسطينيين هو بمكانة "اللعب بالنار" التي لا يمكن احتواؤها إذا ما اندلعت لتحرق الاحتلال وجنوده ومستوطنيه أينما وُجدوا، لأن المعركة الكبرى التي يعد لها الفلسطينيون هي "معركة القدس" التي تمثل زوال الاحتلال وكنسه عن أرضنا.