تنتابني الحَيرة في مقدمة أو مدخلٍ للحديث حول موضوع يشغل حيزًا كبيرًا من عقول كبار المفكرين والأدباء والإعلاميين والصحفيين وكلة الشرائح المثقفة في عدم نشر أو كتابة المواضيع السياسية والدينية وخاصة عندما يود البعض نشر مقال في صحيفة ما أو وكالة إخبارية وعند لقاء إذاعي أو تلفزيوني يكون هناك تحذير من الجهة المسؤولة عن اللقاء بأن نبتعد عن السياسة والدين، ربما امتلكت جرأة الحديث في تناول هكذا موضوع، الغائب والحاضر بين نفوسنا جميعًا، علمًا أن السياسة والدين من الركائز المهمة التي يستند إليهما المجتمع ومن مقومات نضج وتطور المجتمعات دون استثناء، فإذا سما وارتفع مجتمع ما سياسيًّا ودينيًّا أصبح في مصاف الدول المتقدمة.
إن جميع الشعوب العربية تنادي وتتحدث بالديمقراطية وحرية التعبير وتؤمن بالنقد الهادف والبناء وخاصة عندما يكون لأجل تصحيح المسار نحو الأفضل أو لتوضيح المعالم الدينية والتعمق في أدق تفاصيله.
إننا اليوم نوجه النقد اللاذع إلى الغرب في كثير من الأمور ونتجاهل احترامهم للوقت وللآخر في إعطاء قيمة ومكانة اجتماعية ترتقي به كمواطن، ولم نتقمص شخصيات شخوصهم في تفانيهم وإخلاصهم وحبهم لبلدهم من خلال شعورهم بالمواطنة، وأصبح البنطلون الممزق والملابس العارية وألعاب الإنترنت وغيرها هويتنا وعنواننا عبر استجداء الأفكار الهزيلة التي سعى لها أعداء الإنسانية في بثها إلينا عبر محطات التواصل الاجتماعي أو محطات الإذاعة والتلفزة وحتى في الصحف والمجلات ونحن نلهث وراءها، ولم نتوقف عند ذلك بل انتقل الوباء إلى المناهج ولكن بطرق وأساليب مبطنة لم يكشف عنها ظاهريًّا.
هذه الأمور التي طرحناها قد يفهما المتلقي بأنها لا تُعنى بالسياسة، علما أنها قمة السياسة ومن أهم الأمور التي لا بد من كشف المستور عنها! ولا ضرر من ذلك، بمعنى أدق، فلنعطِ فرصة للمتحدث لكي يعبر عن رأيه في الحديث ويفصح عن ما في خلجاته ونناقش معًا تلك المواضيع بإيجابياتها وسلبياتها ونبحر في أعماق السياسة وفي كل دهاليزها التي أثارت الرعب في نفوس الكثيرين، ولكي نتجنب السقوط في منزلق الهاوية ونصحح معًا جميع الانحرافات ونزيل كل الهفوات والفجوات ونقترب إلى السياسة والدين اللذين فقدناهما وجهلناهما.
فكما أسلفت في بداية الحديث بأننا نعيش في أجواء الديمقراطية وحرية التعبير وفق منظور التطورات الحالية والتقدم التكنولوجي حسب ما يقال!
أما الغريب في الأمر ورغم هذه المحاذير والتحوطات الاحترازية فالجهل الديني انتشر انتشارًا مهولًا عند الغالب! أيضًا لا نستغرب من ذلك، والدليل على ذلك انتشار الطائفية والعرقية ونخر مجتمعنا العربي وسحب البساط من تحت أقدامنا دون أن نعلم، علمًا أن أصحاب الأقلام النزيهة فرض عليهم الابتعاد عن السياسة والدين في الكتابة والحديث، وتناسينا المقولة المعرفة التي تُرفع كشعار في المناسبات الدينية وحتى السياسية التي تتعلق بنبذ العنف والتطرف والدعوة إلى السلام.
"الناس صنفان إما أخ لك في الدين وإما نظير لك في الخلق". فأين نحن من قول سيدنا علي عليه السلام في تطبيق السلام عند الإسلام؟ وكيف نكون إذا لم نتحدث في السياسة والدين؟ وكيف نوقف هذا التيار الجارف الذي جرف عقول بعض الشباب إلى مستنقع الرذيلة والعصيان؟ وكيف نوحد صفوفنا ونكون يدًا واحدة ضد جبابرة العصر وأعداء الإنسانية؟ هل سياسة تكميم الأفواه عن السياسة والدين تجدي نفعًا؟ وهل في ابتعادنا هو الحل؟