فلسطين أون لاين

تقرير الضفة الغربية خلال 15 عامًا.. 3000 كيلومتر مربع تحت سيطرة الاحتلال ونفوذ مستوطناته

...
صورة أرشيفية
غزة/ يحيى اليعقوبي:

 

 


قبل ثلاثة عقود وضع مستوطنون إسرائيليون أولى مستوطناتهم على أراضي قرية جالود –التي لا يتجاوز عدد سكانها ألف نسمة– وشيدوا مستوطنات "شيلو" و"شيفوت راحيل"، ثم تسارع بناء المستوطنات فيها عام 2005 حتى وصلت إلى عشر مستوطنات تخنق القرية من ثلاث جهات، وما لبث سرطان الاستيطان أن تفشى ليبتلع أكثر من 85% من أراضي القرية التي تزيد مساحتها على 22 ألف دونم، وهو نموذج مصغر لما يحدث في عموم الضفة الغربية.

القرية الواقعة في الجنوب الشرقي من نابلس باتت مسرحًا لهجمات المستوطنين، فقبل أيام تعرضت القرية للاعتداء الخامس خلال شهر واحد فقط، حينما خرج المستوطنون الملثمون من بؤرة "احلاه" المقامة على أراضي القرية تحت جنح الظلام، ونفَّذوا أعمال تخريب في أراض مملوكة للمواطن هشام حمود وقطعوا أشجارًا ودمروا بناء قيد الإنشاء.

"الحياة هنا مغمسة بالدم، قسم كبير من الناس غادروا القرية تحت وقع هذه الاعتداءات" واقع يلخصه بمرارة رئيس مجلس قروي جالود عبد الله الحاج محمد لصحيفة "فلسطين".

وأشار إلى أن حدة الاستيطان والاعتداءات زادت بالقرية بعد عام 2005، ووصلت أعداد المستوطنين فيها إلى ثلاثة آلاف نسمة، وهو ما لم يكن موجودًا خلال بداية انتفاضة الأقصى.

تطور الاستيطان

وقرية جالود تجسيدٌ مصغرٌ لواقع استيطاني أكبر استشرى بالضفة الغربية بنفس الطريقة، إذ تُظهر الأرقام تطوُّر عدد المستوطنين في الضفة الغربية من 240 ألفًا عام 1990 إلى نحو 700 ألف مستوطن حاليًّا بالضفة والقدس.

وحسب تقرير للقناة الإسرائيلية السابعة نشر في يناير/كانون الثاني الماضي، فقد بلغ أعداد المستوطنين الإسرائيليين بالضفة الغربية 476 ألف مستوطن، إضافة إلى نحو 220 ألف مستوطن شرقي القدس.

وللمقارنة، فقد بلغ عدد المستوطنين 324432 عام 1997 ثم ارتفع الرقم إلى 377903 عام 2000، ثم إلى 450162 عام 2004، وقفز إلى 714281 عام 2014، وبلغ الرقم 796164 عام 2016.

ويتوزع المستوطنون على نحو 196 مستوطنة و232 بؤرة استيطانية موزعة في جميع أنحاء الضفة الغربية بما فيها شرقي القدس.

تظهر الوقائع تطوُّر الاستيطان بالضفة الغربية وحدوث قفزة كبيرة في المساحات التي يسيطر عليها الاحتلال خلال عهد رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس منذ عام 2005 حتى الآن، فيقدِّر المختص في شؤون الاستيطان عادل شديد المساحة التي تسيطر عليها المستوطنات بنحو 3000 كيلو متر مربع بالضفة الغربية بما فيها شرقي القدس، من مساحة الضفة البالغة 5700 كيلو متر مربع.

وتشكل المستوطنات الإسرائيلية ما نسبته 42% من مساحة الضفة الغربية، وبشكل أوضح فإن 68% من مساحة المنطقة "ج" في الضفة تمت السيطرة عليها لمصلحة المستوطنات، وهي المنطقة التي تضم 87% من موارد الضفة الطبيعية و90% من غاباتها و49% من طرقها.

ويقول شديد لصحيفة "فلسطين": "من تجوَّل بالضفة عام 2005 وينظر إليها اليوم فإنه يرى المشهد الاستيطاني يطغى على الشكل الطبوغرافي، فمثلًا المنطقة من الخليل حتى بيت لحم والتي تعد منطقة "ج" ويفترض أن تكون العمق الجغرافي ومركز الصراع على دولة فلسطين التي تريدها السلطة".

وأضاف: "كذلك لم يبقَ شيئًا من جبال القرى الشرقية لبيت لحم، وسلسلة الجبال من القدس تجاه رام الله التي زُرعت بالمستوطنات، وكان الهدف من هذا الزرع عزل المدن وتحويلها إلى كنتونات".

وبحسب شديد فإن المنطقة المحيطة بمدينتي الخليل وبيت لحم، سيطر عليها الاحتلال بالكامل وأخرجت من سياق أي حل سياسي، متسائلًا إن كان دولة الاحتلال ستقبل الخروج من هذه المنطقة في إطار حل سياسي و"المستوطنون يشكّلون ربع المجموع السكاني بالضفة".

وأشار إلى أن عدد المستوطنين فاق عدد الفلسطينيين في محافظة سلفيت ومحيطها، وأن مستوطنة "أرئيل" الواقعة بالقرب منها أصبحت أشبه بمدينة صناعية يعمل بها عشرة آلاف عامل، بالتالي لا يمكن إزاحة هذه المدن الكبيرة.

هذا التفشي الاستيطاني بالضفة يُرجِعه شديد إلى الوضع الأمني المستتب كأحد أهم العناصر في النمو الاستيطاني، ساعد فيها غياب المقاومة بفعل ممارسات السلطة الفلسطينية.

وخلال فترة تولي محمود عباس رئاسة السلطة انتهج سياسة ملاحقة المقاومة، وسحب سلاح كتائب شهداء الأقصى، واعتقال المقاومين من كل المناطق، وهو ما أعطى فرصة ذهبية للمستوطنين للانطلاق.

التكتل الاستيطاني

ويتركز التكتل الاستيطاني بالضفة -وفق المختص ذاته- في المنطقة الجنوبية الشرقية من الخليل وهي متصلة حتى البحر الميت، وتضم مستوطنات "كريات أربع"، في حين تقع المنطقة الثانية بقرى بيت لحم شرقًا حتى البحر الميت، والمنطقة الثالثة مستوطنات "غوش عتصيون" والتي تقع في جبل الخليل إلى الجنوب مباشرة من القدس وبيت لحم ويسكنها قرابة 70 ألف مستوطن، إضافة لأنه بنى مدنًا كبرى في "بيتار عيليت".

وجاء في تقرير أعده مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان بالأراضي المحتلة "بتسيلم" في مارس/أذار 2021، حول التزايد: "التزايُد السكّانيّ كان سريعًا على الأخصّ في كتلتي المستوطنات الكبريين، مدينتا المستوطنين الأرثوذكس (الحريديم) "موديعين عيليت" و"بيتار عيليت".

فحسب التقرير، فقد بلغ عدد سكان المدينتين في نهاية عام 2020 قرابة، 140,053 نسمة أي ما يُقارب ثُلث عدد المستوطنين في الضفة الغربيّة، مشكِّلة زيادة بنسبة 435% مقارنة مع عام 2000 حيث كان عدد سكّان المدينتين آنذاك 32,200 نسمة".

ملامح القدس الكبرى

في القدس، حينما كانت دولة الاحتلال تشيِّد جدار الفصل العنصري عام 2005 كانت تحدد بذلك ملامح ما يسمى "القدس الكبرى" فوسَّعت حدودها إلى 40 كيلومترًا تجاه الجنوب ما بين بيت لحم والخليل والذي يضم تجمع "غوش عتصيون" ومستوطنات "بيتار عيليت" و"جيلو".

ثم اتجه الجدار 14 كيلومترًا تجاه الشرق ليضم مجمع مستوطنات "معاليه أدوميم" والبالغ مساحتها حوالي 61 كيلو مترًا مربعًا والتي توازي مساحة (تل أبيب)، إضافة لكتلة بنيامين التي تقع شرق رام الله وشمال القدس، ثم ذهب غربًا تجاه مستوطنات "جفعات زئيف" بحيث تشكِّل القدس بهذا الامتداد الهائل 10% من مساحة الضفة.

ويوضح جمعة لصحيفة "فلسطين" أن الاحتلال عندما بنى الجدار أخرج 22 قرية فلسطينية بما فيها مخيم "شعفاط"، بإجمالي عدد سكان يقدر بنحو 225 ألف فلسطيني خارج القدس، وأصبحوا معزولين بفعل الجدار، في حين أدخل القدس 200 ألف مستوطن.

ثم بدأ الاحتلال في تعزيز التكتل الاستيطاني داخل وحول القدس بالاستيلاء على بيوت داخل البلدة القديمة وما حولها الذي يسمى "الحوض المقدس"، فمعركة سلوان والشيخ جراح تقعان ضمن هذا المخطط الهادف لتطهير المنطقة من الفلسطينيين، وفق جمعة.

وأشار إلى أن الاحتلال أخطر حي البستان الذي يضم 100 بيت عام 2008 ويحاول هدم بيوته بهدف خلق عازل بين البلدة القديمة والتجمعات الفلسطينية، وأن محاولة إخلاء بيوت حي "الشيخ جراح" البالغة 36 بيتًا تقع ضمن ذات المخطط.

الاحتلال بدأ في خلق بؤر استيطانية وسط التجمعات الكثيفة مثل جبل المكبر، والطور والعيسوية، ومخيم شعفاط وبيت حنينا، أي حوالي 11 بؤرة استيطانية زرعها وسط تلك التجمعات بهدف الضغط على السكان عبر الاحتكاكات وتواجد الجيش، وفق جمعة.

وحسبما يذكر جمعة، فإن الاحتلال كذلك عمل على تعزيز الأطواق الاستيطانية إذ أعلن بناء آلاف الوحدات الاستيطانية عام 2005، وحاليًّا المعركة مفتوحة على مطار القدس الواقع بين رام الله والقدس وهناك مخطط لبناء 15 ألف وحدة استيطانية في المطار نفسه، وهو مطار تاريخي وأول مطار أنشئ في فلسطين عام 1920م.

وقال: "عندما تضع ذلك على الخريطة ترى أن هناك عملية تطهير عرقي تحدث، فتهويد القدس أساسه ليس تغيير أسماء الشوارع والطرق وإنما تهجير الناس".

وحول الدور الفلسطيني الرسمي في مواجهة التمدد الاستيطاني، قال: "وضعنا على المستوى السياسي شبه منهار، ولا يوجد أي رد فعل رسمي يواجه حجم التهديد، فما يجري محاولة لتصفية القدس، و(إسرائيل) ماضية في اتجاه تعزيز الفصل العنصري والاحتلال الاستعماري وحصارنا ضمن كنتونات".

وأكد "أننا بحاجة إلى خطة مواجهة لوقف تصفية القضية، وليس إلى دولة أو سلطة"، قائلًا: "إننا نعيش في أكذوبة كبيرة، فما يجري على الأرض يتناقض تمامًا ما يجري على المستوى السياسي".