تصاعدت في الآونة الأخيرة العديد من التصريحات الإعلامية لقادة حركة فتح تيار رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وعدد من قيادات الفصائل الفلسطينية المنضوية في منظمة التحرير الفلسطينية حول رغبتها في عدم إجراء الانتخابات التشريعية في ظل الرفض الإسرائيلي لإجراء الانتخابات داخل مدينة القدس المحتلة، دون طرح أو مناقشة أي بدائل عملية تضمن مشاركة المقدسيين في العملية الانتخابية وحضور القدس كرمز سياسي فلسطيني في جوهر العملية الانتخابية المقبلة.
متابعة سريعة للتصريحات الرافضة لإجراء الانتخابات نجد أنها متصاعدة وبشكل يوحي برغبة القوم في البحث عن ذريعة وطنية لتأجيل الانتخابات أو حتى إلغائها دون استثارة غضب الشارع الفلسطيني، فعلى سبيل المثال صرح عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير والقيادي في حركة فتح عزام الأحمد بأنه "لن يقبل إجراء الانتخابات تحت أي ظرف كان بدون القدس"، أما أحمد المجدلاني الذي يشغل منصب عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير فأعلن أنه "لا يمكن إجراء الانتخابات دون القدس"، واستحضر في دوافع تأجيل الانتخابات "صفقة القرن" الأمريكية التي اعتبرت القدس عاصمة لإسرائيل، في حين شدّد وليد العوض الذي يشغل منصب عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني على "عدم إجراء الانتخابات بدون القدس"، في تصريحات إعلامية يمكن أن نَصِفَها بأنها "كلمة حق يراد بها باطل" إذا ما استحضرنا العوامل المحيطة بالحالة الفلسطينية الداخلية والترهل التنظيمي الحاد الذي تعيشه حركة فتح على وجه الخصوص.
الذهاب إلى تأجيل أو إلغاء الانتخابات التشريعية بذريعة عدم موافقة الاحتلال على إجرائها داخل مدينة القدس المحتلة يوفر غطاءً سياسيًا لرئيس السلطة الفلسطينية للاستمرار للعام السادس عشر على التوالي بالتفرّد بالقرار السياسي الفلسطيني دون مُنازِع، ويقيه من خطر انتهاء حقبته السياسية التي باتت محتومة في حال أُجريت الانتخابات وسط تنافُس ثلاثة قوائم تمثل حركة فتح في الانتخابات المقبلة، وإرهاصات فوز حركة حماس التي تدخل الانتخابات بقائمة موحدة واستعداد سياسي لتعزيز علاقاتها الوطنية وتحالفاتها السياسية مع مختلف القوائم الانتخابية، ما يعني عملياً قدرتها على تحقيق فوز برلماني وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية المقبلة.
الحديث عن تأجيل الانتخابات يأتي في ظل استئناف الدعم الأمريكي للسلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية، وموافقة أمريكية صريحة من إدارة بايدن على تأجيل الانتخابات التشريعية الفلسطينية خوفاً من فوز القوى السياسية الفلسطينية الداعمة للمقاومة الفلسطينية وفي مقدمتها حركة حماس التي ترى إدارة بايدن أنها "برهنت في السابق، وتبرهن الآن، أنها قادرة على حشد مؤيديها، وتمتلك الحنكة والخبرة السياسية في إدارة الحملات الانتخابية، ولديها تجربة مهمة عبر أكثر من خمسة عشر عاماً من حكم قطاع غزة، ولديها كوادر قادرة ومنتشرة في الضفة الغربية كما في غزة" بحسب تصريح صحفي أدلى به "مصدر أمريكي مطّلع" ونشرته صحيفة القدس الفلسطينية قبل أيام.
لا شك أن الشعب الفلسطيني يتوق إلى ممارسة حقه الانتخابي، واختيار ممثليه في المجلس التشريعي المقبل، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وطي صفحة الانقسام السياسي بين الضفة وغزة، وتحسين الأوضاع الاقتصادية المُتردية التي يعانيها المواطن الفلسطيني، وفي حال أُجّلت الانتخابات أو أُلغيت بما يخدم التيار السياسي المُهيمن على القرار الفلسطيني في الضفة المحتلة، تحت أي مبرر أو ذريعة سياسية أو وطنية فإن ذلك سيشكل صدمة كبيرة للشارع الفلسطيني، ويؤدي إلى زيادة الاحتقان لدى قطاع واسع من الشباب الفلسطيني، خاصة في ظل تشظي حركة فتح، وفوضى السلاح المنتشرة في الضفة المحتلة، والعجز الكبير في موازنة حكومة اشتية والتي وصلت إلى مليار دولار بحسب تصريح رئيس الحكومة في الضفة، ما يشير إلى مخاطر اندلاع حراك شعبي رافض لأي قرار بتأجيل أو إلغاء الانتخابات.
جميع القوى السياسية والقطاعات الشعبية الفلسطينية على اختلاف مشاربها السياسية والمجتمعية تتمسك بضرورة إجراء الانتخابات داخل مدينة القدس المحتلة، بما يُبرز مدينة القدس كرمز سياسي فلسطيني أمام العالم أجمع، ويعزز من الحضور الدبلوماسي الفلسطيني في المحافل الدولية، ويفضح عنصرية الاحتلال، وفي ذات الوقت هي ترفض التهرب من الاستحقاق الانتخابي بذريعة رفض الاحتلال إجراءها في القدس، وليكن يوم الاقتراع في الثاني والعشرين من مايو/ أيار المقبل يوماً للاشتباك السياسي والميداني مع الاحتلال في كل الأراضي الفلسطينية تضامناً ومؤازرة لأهلنا في القدس المحتلة.
ختامًا نحذر من مغبة تأجيل الانتخابات أو إلغائها بما يسلب الشعب الفلسطيني حقه في التعددية السياسية، واختيار ممثليه في البرلمان، وبما يحقق أهداف الاحتلال، بقبول فلسطيني رسمي بسيطرة الاحتلال سياسياً وميدانياً على مدينة القدس بعدِّها عاصمة لدولة الاحتلال، وهذا هو جوهر "صفقة القرن" التي يتذرع البعض بضرورة تأجيل الانتخابات خوفاً من تطبيقها.