تحت شعار "لا انتخابات دون القدس" توظّف المدينة المقدسة في خدمة سيناريو تأجيل الانتخابات التشريعية بذريعة عدم وجود موافقة إسرائيلية لإجرائها، رغم وجود مطالبات فصائلية وشعبية وحقوقية ومن مؤسسات المجتمع المدني بضرورة أن تُفرض الانتخابات بالمدينة المقدسة، وفق ما يقول مراقبون.
وأوضح المراقبون في أحاديث لـ"فلسطين" أن نتائج الانتخابات المتوقعة في ظل دخول حركة فتح بثلاث قوائم دافع كبير لدى السلطة في رام الله للتأجيل خشية "الخسارة الحتمية"، رغم إدراكه حجم الكارثة التي سيسببها القرار –إن اتُّخذ–.
وتصاعدت مطالبات فصائل محسوبة على منظمة التحرير بتأجيل إجراء الانتخابات، تحديدًا تلك التي فشلت في تشكيل قوائم انتخابية، أو بعضها الذي يستبعد إمكانية تجاوز نسبة الحسم، ما يشكل تمهيدًا للجوء إلى خيار التأجيل.
سيناريوهات التأجيل
ويقف وراء السيناريو الأول المطروح بتأجيل الانتخابات سببان: الأول أن هناك موافقة أمريكية أُعلنت مؤخرًا نتيجة طلب فلسطيني بتأجيل الانتخابات، بالتالي أصبح بإمكان السلطة اتخاذ قرار التأجيل، بحسب الكاتب والمحلل السياسي حسن عبدو.
السبب الثاني كما تحدث عبدو لصحيفة "فلسطين" أن يكون "إجراء الانتخابات بالقدس" ذريعة للتأجيل بحجة عدم الحصول على موافقة إسرائيلية، وهو في الحقيقة ناجم عن تخوفات من السلطة الفلسطينية بعد انقسام فتح إلى ثلاث قوائم انتخابية وازنة وتخوُّف من عدم الحصول القائمة الرسمية على أصوات كافية للفوز، وهذا ما دفع السلطة للحوار مع الأمريكيين بشأن التأجيل.
وكانت صحيفة "القدس" المحلية نقلت عن مصدر أمريكي مُطّلع قوله: إن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لا تمانع تأجيل الانتخابات الفلسطينية المقررة في شهر أيار/مايو المقبل إذا اضطر الفلسطينيون إلى تأجيلها.
وحذَّر المصدر من فوز حركة حماس في الانتخابات التي بدورها سترفض التفاوض مع (إسرائيل) لتحقيق حل الدولتين، قائلًا: "إن صعود قوى فلسطينية ترفض حل الدولتين، وترفض نبذ العنف، إلى موقع القرار، سيعقد، أو حتى يبدد بالكامل آفاق التوصُّل إلى حل الدولتين".
ورأى عبدو أن هذه الذريعة غير مبررة لتأجيل الانتخابات، قائلا: "هناك بدائل يمكن أن تجعل الانتخابات معركة حقيقية بحيث تُوضع صناديق الاقتراع في المساجد والمدارس والكنائس لتحدي الاحتلال، وسيُشجِّع المقدسيين على المشاركة، حتى دون موافقة الاحتلال"، مشيرًا إلى أن عدد المقدسيين المشاركين في الانتخابات التشريعية عام 2006 بلغت 2200 ناخب.
لكن التأجيل لكن يكون سهلًا -وفق عبدو- إذ سيشهد موجة من الغضب الشعبي كون هناك 93% ممن يحق لهم الانتخاب قد سجلوا وهذا يعني شغف كبير لدى الشارع في ظل تسجيل 36 قائمة، ما يدلل أن هناك رغبة جامحة لدى الفلسطينيين بالتغيير.
ورغم أن سيناريو التأجيل هو المرجح بالنسبة لعبدو، لكن هناك سيناريو آخر لا يقل أهمية عنه وهو المضي في الانتخابات لأن هناك رغبة لدى الاحتلال والنظام الإقليمي العربي باستقرار السلطة في اليوم التالي لغياب محمود عباس خوفًا من تنازع الورثة، ونظرًا لغياب آلية سلمية متفق عليها لاستبدال الرئيس كما جرى مع الرئيس الراحل ياسر عرفات، والذي حدثت انتخابات بعد وفاته.
النتائج غير مضمونة
وما دام أن النتائج غير مضمونة، كما يرى الكاتب والمحلل السياسي عمر عساف، فالسلطة لن تُقدِم على إجراء الانتخابات وهذا معروف قبل صدور مراسيم الانتخابات؛ لأن المشهد الانتخابي كذلك تشوبه الكثير من البعثرة، خاصة لدى حركة "فتح".
وقال عساف لصحيفة "فلسطين": إن الإعلان عن إجراء الانتخابات وإصدار المراسيم كان نتيجة ضغوط خارجية، لكن حين اتضحت النتائج أنها تنضوي على مخاطر لافتقاد الهيمنة والقرار فسيكون هناك محاولة للبحث عن أي ذريعة، ولا يوجد أفضل من ذريعة "القدس"، خاصة أنه لا أحد يمكن أن يزاود عليها، لأن ذريعة فيروس كورونا لم تكن كافية.
ورأى أن السلطة وحركة فتح استشعرتا بحجم الأزمة الكبيرة التي تعيشها وحجم التشظي في أوساط الحركة، فهناك اعتقاد أن نحو 15 قائمة تابعة أو محسوبة على حركة "فتح"، وهذا يعني بعثرة للأصوات وخسارة حتمية.
ورجَّح عساف سيناريو تأجيل الانتخابات من خلال الإعلان المباشر، أو من خلال خطوات تُتَّخذ بعض القرارات الاشتراطية والتي معروف أن الاحتلال لن يستجيب فيها.