فلسطين أون لاين

ملاك تستردُّ "روحها" في أول رمضان بعد الأسر

...
رام الله-غزة/ هدى الدلو:

"الهلال الرمضاني يتلألأ أمام ناظري، أسير بخطاي نحو المسجد لأداء صلاة التراويح دون أن يحجبني الشبك الحديدي، أعيش رمضان بحياة محررة من القضبان، والزنازين وغرف التحقيق، بعد أن كنت محرومة رؤية جمال الليل وصمته وسكونه، بإغلاق الاحتلال الأقسام قبل أذان المغرب" بهذه الكلمات تنسمت الأسيرة المحررة ملاك الغليظ (18 عامًا) عبق الحرية.

أصبحت ملاك تفطر على التمرات وصوت المؤذن، وتستيقظ عند وجبة السحور على صوت والدتها.

في دردشة مع صحيفة "فلسطين" تقول ملاك: "لا جمال يضاهي لمة العائلة على المائدة الرمضانية، شعرت أن روحي ردت إليّ عندما جاء رمضان وأنا محررة من قضبان السجن، تخلصت من تلك الأيام الصعبة التي قضيتها بين جدران الزنازين، وكأني انتزعت من السجان حضن الأهل ودفء العائلة".

شعرت ملاك وكأنها تقضي أيامًا وردية كانت تستبعد أن تعيشها مجددًا، بعد أن أسرها الاحتلال وحكم عليها بالسجن ثمانية أشهر، وغرامة مالية قدرها أربعة آلاف دينار.

"رمضان خارج الأسر وددت أن أعيشه بكل تفاصيله الصغيرة قبل الكبيرة وكأني مولودة من جديد، أطلب من والدتي كل ما تشتهيه نفسي وكنت محرومة طعمه الأصلي في الأسر كالمقلوبة والكنافة، فكانت الأسيرات تعد بعض الأكلات مما يتوافر من مكونات، فلا يهم أن تكون جميعها موجودة" تسرح بنظرها بعيدًا وهي تنسج فصول الحكاية.

ولا يقتصر الاشتياق على الأكلات الرمضانية، والجو العائلي فقط، بل أيضًا لكل شيء في الخارج، لغرفتها وبيتها ومدرستها، وطقوس استقبال الشهر في مدينتها رام الله، ولكن ما ينغص عليها عيش تفاصيل شهر رمضان واستقبال العيد تذكرها أخوات تركتهن خلفها ما زلن يعشن مرارة الأسر والبعد عن الأهل في تلك المناسبات الدينية.

وتستذكر ملاك أول رمضان حل عليها وهي بالأسر: "لم يكن ليلي ليلًا ولا نهاري نهارًا، فقد كان صعبًا جدًّا أن أقضي ساعات طويلة بين المحاكم والزنازين، وغرف التحقيق ويداي مكبلتان، أنتقل عبر البوسطة للذهاب إلى المحكمة وأنا صائمة لأصل إليها ويُنطق أن الحكم مؤجل، فكل هذا العناء والمشقة لأجل خمس دقائق".

وتتابع: "أعود للقسم الساعة الواحدة في منتصف الليل متعبة ومنهكة، لم يدخل جوفي أي شيء أفطر به، فأجد أخواتي الأسيرات قد جهزن لي طعام الإفطار على الطاولة، لكن التعب قد سد شهيتي".

والمحزن أن الأسيرات ينتظرن شهر رمضان ليحدث نوعًا من التغيير في حياتهن، لكنه يقلب المواجع عليهن بتذكر الأهل والاشتياق للمة العائلة، ومع ذلك كنّ يتخذنها فرصة لإحداث نوع من التجديد، فيجلبن الصناديق الكرتونية لكتابة الأحاديث عليها وتعليقها على جدران الأسر، وصنع الفوانيس وتزيينها بالشرائط القماشية الملونة.

البرنامج الرمضاني

وفي أثناء نهار الصيام تعمل الأسيرات على تنفيذ البرنامج الرمضاني في قراءة القرآن والاستماع لبعض الدروس الدينية، والتحدث عن ذكرياتهن في قضاء رمضان خارج الأسر بصحبة العائلة، وعند اقتراب أذان المغرب تتولى إحدى الأسيرات مهمة وضع أذنها على سماعة المذياع لتسمع صوت الأذان، وبمجرد استماعها له تصرخ: "أذن الله أكبر"، فكن يشتقن لصوت الأذان يخترق طبلات آذانهن.

"تكون السفرة جاهزة، ولكن نهم بأداء صلاة المغرب، ثم نتناول طعام الإفطار الذي لا يوصف بسوى السيئ الذي لا يستساغ، ولكن الجميل أنه في الشهر تُعد مأدبة رمضانية لكل أقسام السجن، ولا نحظى بها إلا مرة واحدة في الشهر".

وتتعمد إدارة السجن التنغيص على الأسيرات بالتفتيش والقمع، حتى في أيام العيد.

وتستبق الأسيرات ثبوت هلاله بتعزيل وتنظيف القسم لتفوح منه رائحة الصابون والكلور، وتغيير شراشف الأسرة، ولكن الاحتلال يتعمد اقتحام القسم وفك الشراشف والتفتيش.

وتعود بذاكرتها لمدة الأسر عندما كانت الفتيات القاصرات يتلهفن لشراء ملابس العيد، وإدارة السجن لم تسمح لهن بذلك، سوى إدخالها مرة واحدة كل ثلاثة أشهر، وعليه كانت كل أسيرة تبحث في ملابسها عن كل ما هو جديد ومميز لتوزيعه على زميلاتها، لتكون كل واحدة فيهن بأجمل طلة.

وليلة العيد كانت ملاك تستيقظ فجرًا وتجهز ما تود ارتداءه، فتصلي الفجر مع الأسيرات في القسم، ويبدأن تجهيز طاولة في المنتصف يضعن عليها ما صنعته أيديهن من حلويات، حتى تفتح أبواب الزنازين ليبدأ تبادل الزيارات بين الأقسام، ثم يخرجن في الساحة لينشدن الأناشيد الوطنية والخاصة بالأسرى.