فلسطين أون لاين

ريان وجدو (5) الأبطال الحقيقيون

...
ريما عبد القادر

كان جدو يتوشح بالعلم الفلسطيني ويحمل بيده لافتة كبيرة قد علقها على جدار المنزل المقابل لمدخل الباب، حتى يراها الجميع، فيها صور للأسرى الأبطال القابعين في سجون الاحتلال.

هذا جلب نظر ريان وسرعان ما ارتسمت علامات الاستفهام على وجهه، فأخذ يسأل جدو: ما هذه الصور؟ ولماذا تضع العلم الفلسطيني على عنقك؟

ابتسم جدو وأخبره أنه لن يجيب إلا إذا ... وقبل أن يكمل قفز ريان في حضن جدو وأخذ يقبله ويلاطفه، فهكذا اعتاد جدو في كل يوم أن يلاعب حفيده؛ فهذا الأمر يسعد جده ويسعد حفيده إذ يعلمه من ذلك الحب والاحترام والعطف على الآخرين.

والآن يا جدو من هؤلاء الذين تحمل صورهم؟ ولماذا تضع العلم الفلسطيني على عنقك؟!

وبعد أن أجلس جدو ريان على قدمه ووضع رأسه على صدره وأخذ بيده اليمنى يحرك شعره الجميل ويُقبل رأسه أخذ يتحدث بصوت دافئ على مسامع حفيده: "هؤلاء هم الأبطال الذين يحبون فلسطين وقدموا أنفسهم في سبيل دينهم وقضيتهم، هؤلاء الذين قدموا زهرات شبابهم من أجل تحرير القدس والأقصى".

"هؤلاء -يا جدو- هم أبطالنا الذين نفتخر بهم؛ فهم يتحملون الضرب والجوع والبعد عن الأهل من أجل قضيتهم العادلة".

هنا برق صوت ريان بنبرة حزينة: "ولماذا الاحتلال يضربهم ويحرمهم أهلهم؟".

في هذه اللحظة أخذ جدو نفسًا عميقًا يحمل زفراته الكثير من الألم: "يا حبيبي يا جدو، هؤلاء الأسرى هم الرجال الذين يدافعون عن فلسطين وليس فقط فلسطين؛ بل عن شرف الأمة العربية والإسلامية، والاحتلال لا يريد ناسًا نظيفة تحب دينها ووطنهم؛ فأراد أن يتخلص منهم ووضعهم في السجون وتعذيبهم".

في هذه اللحظة وقف جدو وأنزل حفيده عن حضنه وأمسك بيده بقوة، أراد من ذلك أن يشعره بأن الأمر عظيم، وأخذ يسير بخطوات قليلة إلى اللافتة التي تحمل في قلب أحضانها صور الأسرى الأبطال، وأخذ يعرف حفيده إياهم.

هذا -يا جدو- الأسير البطل نائل البرغوثي، وهذا الأسير البطل حسن سلامة، وهذا الأسير البطل جمال أبو الهيجاء، وغيرهم الكثير من الأبطال.

ولماذا تضع -يا جدو- العلم الفلسطيني؟ هنا ابتسم ونظر إلى ريان قائلًا: "إن فلسطين وطننا جميعًا، وكل الأسرى هم أبناء فلسطين؛ ففيه أشتم رائحة الوطن في كل مُدنه القدس وحيفا ويافا ونابلس واللد والرملة".

هنا ابتسم ريان ولمعت في عقلة فكرة، فذهب إلى غرفته حيث تذكر أن لديه العلم الفلسطيني الذي قدمه له والده هدية حينما حصل على علامات كاملة في امتحانات الفصل الأول، فأخذه ووضعه على مائدة الإفطار وطلب من جدو أن يساعده في حمل مائدة الطعام ووضعها بالجهة القريبة من صور الأسرى.

وساعد والدته في وضع الصحون والطعام، وبعد أن جلس الجميع قبل أذان المغرب وقف ريان وهو يحمل العلم ويقول بصوت جهوري: "أمي الحبيبة، أبي الحبيب، أختي دمدومتي الغالية، جدو حبيب القلب، هؤلاء هم الأبطال الحقيقيون الذي يضحون من أجلنا"، وسرعان ما أخذ يبكي وهو يسأل الله (تعالى) في طفولته البريئة: "يا رب حرر الأسرى الأبطال، يا رب يرجعوا لأهلهم، يا رب دمر الأشرار اللي بعذبوا الأسرى".