فلسطين أون لاين

فكان جزاءً.. موفقًا!

(1)

بعد أن قضت المحكمة الثورية بأحكامها الباتة في حق العملاء الذين ولغوا بسقوطهم في شرف شعبنا ودماء قائدٍ وقادة آخرين.. لم يكن أشد تأثيرًا وأبلغ أثرًا من الكاتم الذي تفجّر به برميل من بارود الغضب، وأثار عنفوان الثورة في أفصح معانيها..


وقد طالت أيدهم الأجيرة قائدًا مقاومًا، أخرجته المقاومة بعز في صفقة أجثت الكيان كله على ركبتيه، يوم أخرجت من سجون القهر وقبور الأحياء أمثال هذا الفدائي الأبي مازن فقها الذي أذاق بعملياته الضاربة_ مرارًا_ الاحتلال من كأس الموت الزؤام الذي يُجرّعه لأهلنا على مدار سنوات اغتصابه لأرضنا..


أجل، وغزة بكبريائها وتجبّرها على الآلام، وهي التي لم يفت في عضدها أعتى أسلحة التدمير فتكاً، ولم يخرج من تحت أنقاضها المدمر غير فدائيين يتخطفون بالموت جنود الاحتلال المأزومين في حروب ثلاث، بكت بعبرات من الدمع والدم، وعن بكرة أبيها اهتزت لهذا الغدر وما نالته في خاصرتها هذه الأيد الآثمة.


(2)

لذلك؛ لم يكن أمام المقاومة من بُدٍّ غير أن تواجه بالسلاح السلاح نفسه، وتقطع اليد التي امتدت بالسوء وقد بلغت مبلغها وسددت رميتها ونالت بغيتها..


ففي قراءة للموقف بصورة علوية نجد أن قيادة المقاومة قد عملت في نسق لم يخرج عن محاور رئيسة ثلاثة:


المحور الأول منها، تعقب الفاعلين المباشرين بأسرع ما يمكن؛ لرد الاعتبار والكشف عن تفاصيل العملية، لئلا تجعل من مفرّ للاحتلال ليتنصل منها، وتعيد حالة الشعور بالأمن في أوساط المجتمع كله.


فيما حرص الاحتلال على أن يوجه الأنظار إلى اتجاهات شتى، ظنًا منه أنّه بذلك سيربك قوى أمن المقاومة الفلسطينية، وأن يجعلها تخلط الأوراق؛ لتتخبط في تحديد أولوياتها، فتتعقد الخيوط وتغرق في التفاصيل أو تتيه في دهاليز وتشعبات متزايدة.


أما المحور الثاني، فتمثل في حرص المقاومة على الهدوء التام في الساحة الغزية، فلم تعط العدو المحتل ذريعة ليشاغلها في تصعيد ميداني؛ فأمنت بما لم يُسبق من قبل الحدود الزائلة معه، حتى أنه لم يُسجل طوال تلك الفترة أي عمل تصعيدي.


وأنّ المقاومة لم تُجر لذلك؛ وقد كانت حسابات الاحتلال وتقديراته الأمنية القاصرة: أن المقاومة ستندفع بالقصور الذاتي بعد عملية الاغتيال إلى التصعيد؛ فتَهيأ لهذا التصعيد المفترض بمناورته الشهيرة التي استدعى فيها آلافا من جنود الاحتياط قبيل العملية بأيام قلائل، ولم يكن لها سابق إنذار..!


أما المحور الثالث، وهو المفاجئ، أن القوى الأمنية للمقاومة قد انطلقت بحملة أمنية كبيرة ومتشعبة تعقبت فيها العملاء في طول القطاع وعرضه بشكل لم يُسبق من قبل..!!


(3)

وهكذا، استمر المطبخ الأمني المقاوم يعمل جادًا ومتوازيًا ومتوازنًا وبشكل متواصل، يفكك كل جزيءٍ في تفصيلات الحادث، وتراكيب المشهد في دوائر اختصاص متنوعة ومغلقة، في الوقت الذي تؤمن فيه المقاومة الساحة من أي تصعيدٍ عسكري صهيوني تحت أي ذريعة كانت _كما كانت العادة _ بمقذوفات تطلقها أيدٍ مشبوهة، وأن تستمر عمليات تعقب العملاء.


كل ذلك كان بعيدًا عن الإعلام، إلا ما كان يتسرب منه، والذي لم يكن بريئاً _ في تقديري_ بل لربما كان لدواعٍ تريدها العقول الأمنية المقاومة بشكل مقصود.


إلى أن خرجت أولى بشائر الإنجاز الأمني الأضخم في تاريخ الصراع مع دولة الاحتلال الذي تحققه المقاومة، وفي وقت قياسي.


وقد ظنت أجهزة أمن الاحتلال أنها ستنهي هذه العملية النوعية بجريمة الاغتيال المجرمة، فتنقطع بعدها كل الخيوط، أو تسجل ضد مجهول، أو تُلقى في حجر جماعات التطرف، وهذا الأخير ما كان مرجحًا بحسب قراءة تصريحات وزير الجيش ليبرمان، قبل أن تؤكده التحقيقات بالكشف عن المنفذ الذي أدير على أيدي المخابرات الصهيونية لأكثر من عشر سنوات تحت عناوين التشدد الديني.


(4)

ولم يقف المؤتمر عند هذا الإنجاز الكبير، بل كان الإعلان عن كشف العدد الأكبر من العملاء في تاريخ الصراع (45 عميلاً).


وجدير أن نذكر أن إسقاط أمثال هؤلاء وبهذا العدد يكون على فترات متباعدة، وبكلفة كبيرة جدًا؛ لأن الإسقاط الأمني في حبائل العمالة من الشعب الفلسطيني عامة وفي غزة على وجه التحديد يُعدّ شاقا ومضنيا، بل بات يمثل تحديًا كبيرًا أمام أجهزة الأمن الصهيونية المختلفة.


وذلك، لما يتمتع به الإنسان الفلسطيني من اعتزاز بدينه، وحصانة انتمائه لوطنه، وقوة تمسكه بقضيته العادلة..


وهذا _ حقيقة_ ما حرصت عليه القوى الأمنية الفلسطينية المقاومة، وقد عملت على بناء الإنسان الفلسطيني المنتمي لقيمه من خلال برامج تشاركية أسهمت فيها كل المؤسسات المجتمعية الفلسطينية.


بالإضافة إلى العمل الأمني الإجرائي المحترف الذي جعل غزة بيئة أمنية طاردة للعمل الأمني المعادي.


(5)

نعم، لم تنصرف المقاومة في رد اعتبارها بتكسير كل أصابع هذه اليد المجرمة التي امتدت لها بالسوء، لم تنشل قدرتها على التفكير تحت ضغط الواقع وألم الوقيعة، فكانت سرعة التجاوب مع الحدث، وإقفال منافذ التسرب والهروب، ولم تقف طويلاً في توسيع الدوائر بعد تحديد المركز الذي انطلقت منه هذه العملية المخادعة، حتى توج بالكشف عن القتلة الفاعلين المباشرين بشكل أذهل المراقبين، وأخرس قادة دولة الكيان الصهيوني، فلم يُسجل لأكثر من عشرة أيام من الكشف التفصيلي لعمليتهم الجبانة من الإدلاء بأي تصريح من هنا أو هناك..!


غير أنّ المقاومة التي سجلت هذا الإنجاز في أروع مشهد بطولي، تعرف جيدًا أنها بذلك فتحت للاحتلال فاتورة حساب سيسدد ثمنها كاملاً، وإنّ غدًا لناظره قريب..!