سفرة ممتدة عليها ما لذ وطاب من اللحم والأرز، وأطباق صغيرة من الشوربة وسلطة الخضار، ومشروب الخروب وعصير الليمون والكركديه، وبعض التمور متناثرة على الطاولة، تمتمات وأكف مرفوعة تطلب المغفرة والرحمة وصلاح الحال.
وبعضٌ منهك في إنجاز اللمسات الأخيرة لوليمة الإفطار، وصوت جلبة الأطفال ولهوهم قبيل انطلاق مدفع الإفطار بدقائق، فجأة يسود الصمت وكلٌّ يأخذ مكانه ليسد جوع امتد أكثر من 14 ساعة.
إقامة موائد الإفطار هي الطقس الرمضاني الأبرز جاءت جائحة كورونا لتقيده، وتدفع لإيجاد بدائل أخرى لضمان استمرار إطعام الصائمين بما يضمن تحقيق إجراءات الوقاية والسلامة، بمنع التجمعات تفاديًا لتوسع انتشار الفيروس.
كانت العائلات تقيم ولائم للأقارب في بيوتها، وأهل الخير يقدمونها للمتعففين في بعض الأماكن العامة، وتسودها أجواء من الألفة والمحبة، بغية نيل الأجر والثواب عن إفطار كل صائم.
إحسان أبو جراد ربة منزل تدعم فكرة التوقف عن إقامة موائد الإفطار، التي دأبت هي وعائلتها وأهل زوجها على إقامتها، التزامًا بإجراءات الوقاية التي تؤكدها وزارة الصحة.
تقول إحسان التي تقطن في مدينة خان يونس: "إخوتي استعاضوا عن دعوتنا لتناول طعام الإفطار الجماعي في شهر رمضان بإرسال وجبات طعام جاهزة لكل أخ وأخت حتى العمات في بيوتهم، للحفاظ على صحة الجميع".
وتتابع في دردشة مع صحيفة "فلسطين": "والدي يرسل مبلغًا ماليًّا لبناته وأخواته بدلًا من إرسال وجبات طعام، ليتسنى لنا شراء ما نشتهيه وما نحتاج له من غذاء".
أما عائلة زوجها فلا تزال تحتفظ بهذا الطقس الرمضاني، إذ يتجمع أفرادها يوميًّا في بيت أحد الأبناء ويقيمون مائدة إفطار مع الالتزام بإجراءات الوقاية من تعقيم وتباعد وغيرها.
في حين يرى هاني مرتجى ضرورة إلغاء ولائم الإفطار بين الأقارب، وتوزيع الطعام على الفقراء والمحتاجين، لتحقيق ثواب أكبر، والحفاظ على صحة المجتمعين من انتقال الفيروس إليهم بسبب التقارب والتجمع في أماكن مغلقة.
وتفضل بانياس أبو حرب من مدينة غزة إلغاء الولائم التي تقيمها الأسر لاجتماع الأبناء، "لما فيها من عبء مادي كبير، وإرهاق جسدي أيضًا".
تقول أبو حرب معلمة اللغة الإنجليزية لصحيفة "فلسطين": "مع الجائحة أفضل تبادل الزيارات مع الأقارب فقط، والحرص على عدم المصافحة والتعقيم وترك مسافة أمان بيننا، وبهذا أضمن سلامتي وسلامة غيري، أما الاجتماع والاكتظاظ عند إقامة وليمة كالسابق فقد يجلبان خطرًا على صحة المجتمعين دون أن يشعروا".
ماهر بارود اعتاد تقديم وليمة الإفطار صدقة عن روح والدته التي توفيت منذ خمسة أعوام، إذ يجمع الأقارب والجيران والمستورين أيضًا في بيت والده القديم.
ولكن بارود الذي يعمل صيدلانيًّا سيتخلى في رمضان هذا العام عن هذه العادة، يقول لصحيفة "فلسطين": "سأوزع وجبات الطعام على الأقارب وبعض المحتاجين، تحقيقًا لإجراءات الوقاية من فيروس كورونا".
أما بيسان صبيح، ربة منزل، فتقول في دردشة مع صحيفة "فلسطين": إن اجتماع العائلة على مائدة واحدة في رمضان كان "الفرصة التي ننتظرها كل عام للتسامر، واستعادة الذكريات الجميلة قبل أن نتزوج وتلهي الحياة بعضنا عن بعضٍ".
وتؤكد وزارة الداخلية والأمن الوطني في غزة، منع إقامة الإفطارات الجماعية، أو الأمسيات في المطاعم والفنادق والساحات العامة، للحد من انتشار فيروس كورونا.
وهكذا غيّر كورونا عادات الصائمين، على أمل أن تزول الجائحة وتعود الحياة الرمضانية في الأعوام المقبلة إلى طبيعتها.