أثارت قضية الأسير القائد حسن سلامة المعتقل لدى الاحتلال منذ 26 عاما، والمحكوم بعشرات المؤبدات، جدلاً واستياءً واسعين بين أوساط الشعب الفلسطيني، عندما رفضت لجنة الانتخابات إدراج اسمه في قائمة حركة حماس، ثم أيدت محكمة الانتخابات قرار اللجنة برفض الطعن المقدم من وكيل الأسير القائد حسن سلامة، وذلك بسبب عدم ورود اسمه في سجل الناخبين، كما ينص قانون الانتخابات رقم (1) لسنة 2007م في المادة (45) فقرة (3).
حسن سلامة، ذلك الأسير الفلسطيني، يعد أيقونةً من أيقونات الكفاح الفلسطيني ضد المحتل الصهيوني، وشامةً على جبين النضال الوطني، وقصةً تتعلمها الأجيال، وتاريخًا كتب بالتضحيات والدماء والمعاناة، فحسن سلامة ينتسب إلى فلسطين الأرض والشعب، إلى فلسطين التاريخ والجغرافيا، إلى فلسطين الفداء والجهاد، إلى فلسطين بكل ما تحمل فلسطين من المعاني والقيم المغروسة في نفوس الفلسطينيين، حسن هو جذورنا المتشبثة في الأرض الفلسطينية، وتأبى أن ترخي قبضتها من الأرض الطيبة ولو للحظة من دورة الزمن الذي ينقضي سنوات وسنوات خلف القضبان. حسن يمثل قوة الصمود الفلسطيني من خلف قضبان زنزانته المعتمة والباردة، فحسن من فلسطين وفلسطين من حسن، ومن بعد حسن ورفاقه تأتي المسميات وتأتي المناصب وتأتي الشرعيات، ولا يضر حسن ورفاقه تنكر لجنة أو محكمة أو هيئة، ولا تزيد في مثقال حسن عضوية مجلس تشريعي أو وطني، فبحسن تُعرف المسميات، وبحسن تُشرّف المجالس، وبحسن تسمو الهيئات والمؤسسات.
فيا من حرمتم حسن برمزيته حقَّه الدستوري -ومثله لا يُحرم- ألم يمر بخاطركم للحظة عظم الكرامة الوطنية التي أهدرتموها من أجل نصٍّ أجوف لا قيمة له أمام عظيم القيمة الوطنية لحسن ورفاقه؟ ألم تستشعروا للحظة أن قيمة حسن أكبر بكثير من اسم يدرج في قائمة مهما علا شأنها وعزت قيمتها؟ ألم يدر بخلدكم أنكم عززتم إرادة السجان وأضعفتم إرادة الصمود عند حسن وهيهات لها أن تضعف أو تنكسر؟
يا سادة، الوطن برجاله وعظمائه يسمو، وقيمة الوطن تعلو حينما يحفظ الكرام عهد الوفاء للأكرمين منهم، فالتضحيات لا تقدر بثمن، ولكن يحفظ لأصحابها المكانة والمنزلة، وما عزت شعوب وارتقت إلا بحفظ إرث قادتها وعظمائها، وما ذلت شعوب وانهزمت إلا بالتنكر لإرثها وتاريخها وأبطالها.
ألم يطرق أسماعكم حديث رسولكم صلى الله عليه وسلم حينما كرم أصحاب الفضل من صحابته فقال: لعل الله أن يكون قد اطَّلَع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم، فقد غفرتُ لكم»؟
ألم يعزز هذا المنهج النبوي فيكم قناعة أن حرفية النص تسقط أمام عظيم التضحية وقوة الرمزية؟
أما سألتم أنفسكم: وهل يحتاج حسن لشرعية دستورية ليكون ممثلا لشعبه الذي ضحى من أجله؟ أما وقفتم على تاريخ الشعوب فنظرتم كيف تكرم الشعوب أبطالها؟
إن قراركم لم يزد حسن إلا رفعة ولم يزد الأسرى إلا تقديراً ولم يزد فلسطين إلا فخراً بأبنائها، فلا حاجة لمثل حسن بقرار يصدر منكم لتمثيل شعبه، فحسن مثل شعبه بالدم حينما طلبت فلسطين منه ذلك، فلبَّى راضياً مرضياً، وقدم روحه على كفه فداءً لكم وفداءً لكرامتكم وعزتكم وفداءً لمستقبل أطفالكم، وأظنه لو عاد به التاريخ ألف مرة سيعود لما فعل دون تردد لتبقوا أنتم آمنين، فهذه شيم الأبطال ولن يقاضيكم في محكمته ولن يحاسبكم في مجلسه ولن ينظر إلى تنكركم بعين السخط والبغض، بل سيغفر وسيبتسم، فحبه لفلسطين أعظم من أن تعكر صفوه فعلتكم ومن قدم روحه على أكفه واثقاً بعدالة قضيته لا تشغله لعاعة من لعاعات الدنيا.
أيها السادة كنا بحاجة لحسن لنستمد منه العزة والكرامة وحب الوطن، ولكنكم بقراركم حرمتمونا هذه العزة والكرامة، ولكن إذا أسقطتم حسن من القائمة -ومثله لا يسقط- سيبقى حسن ملء قلوبنا وأسماعنا وأبصارنا، وستبقى سيرته فينا ما حيينا وسيبقى مقدماً فينا ما ذكرت فلسطين، وما ذكرت التضحية، وما ذكر الفداء، وإن أسقطتم حسن من قائمة حماس فقد رفعه الشعب كله على قائمة أجل وأسمى، تلك هي قائمة الشرف الوطنية التي لا تدانيها قائمة.