فلسطين أون لاين

بعد زيارتها الأخيرة لـــ فلسطين.. الأكحل : "لن يغيروا رائحة برتقال يافا "

...
تمام الأكحل - زيارة فلسطين

شعوري بحرماني من وطني يشبه إحساس طفلٍ حُرم من حضن أمه، رغم أنهم غيروا ديمغرافية الأرض ولكنهم لم يستطيعوا أن يغيروا النفس، رائحة برتقال بلادي لم تتغير رغم أنهم اقتلعوا الزرع، بل إن أي ورقة شجر خضراء لها وجود وتحدثني بأنها شربت من أرضي وعلى تربتها حياة، وكل بيت زينه الزرع أحسست فيه بالحياة والجمال.

تلك كانت مشاعر الفنانة التشكيلية والملقبة بـــــــ"زيتونة القضية" تمام الأكحل حين عاودت زيارة "فلسطينها" الشهر الماضي؛ وذلك بعد خمسة عشرة عاما من الغياب الإجباري؛ عادت لتستنشق رائحة البرتقال التي لم تفارق روحها أبداً.

زيارة الفنانة الأكحل لفلسطين جاءت بعد دعوة قدمتها لها دار الكلمة الجامعية للفنون والثقافة في مدينة بيت لحم، ضمن فعاليات الاحتفال بمرور عشرة أعوام على تأسيسها.

تحدثت لمراسلة "فلسطين" حيث تقيم حالياً في عمان حاليا، حول مجريات هذه الزيارة؛ فقالت: " لم يهمني الاحتفال الذي دعيت إليه بقدر اهتمامي بتحقيق حلمي بدخول وطني، حقيقةً لم تسعني الفرحة برؤية بلدي مرة أخرى، حينما وجدت نفسي واقفة على ترابها لم أدر وجدت نفسي أسجد شكراً لله وحمدتُ ربي ألف مرة أنه منحني الفرصة لأدخل وطني".

وأضافت: "منذ آخر زيارة لي برفقة زوجي الراحل الفنان اسماعيل شموط في عام 2001م تلقيت عدة دعوات من بعض الجهات الرسمية؛ ولكن الجانب الاسرائيلي لم يكن يعطي ردا بالموافقة أو الرفض ولكن "لا" كانت ضمنية وغير معلنة بالنسبة لي".

تضيف الأكحل:" لكن أخيراً تمت الموافقة بمنحي تصريحا لدخول فلسطين بناء على دعوة دار الكلمة وحضرت لقاءات للفنون في الجامعة، وقدمت كلمة حول أول مصورة فوتوغرافية فلسطينية ولدت عام 1894 وهي كريمة عبود، ومن ثم كان لي لقاء مع الحضور، وأقيم معرض عُرضت فيه أعمالي وأعمال فنية أخرى في متحف محمود درويش في رام الله".

[title]عقليتهم لم تتغير[/title]

وبحرقةٍ وحماس معتادين على نبرة صوتها تابعت الحديث: "الزمن والاحتلال غيرا المباني والشوارع ولكن عقلية أهل بلدي لم تتغير، بل على العكس شعرت أنهم كلما كبروا أحسوا بالظلم أكثر، الأطفال يشعرون بأنهم لم يعيشوا طفولتهم الطبيعية بمراحل نضجها لذا حقدهم على الطغاة يكبر معهم، وينسفون نظرية الاحتلال بأن الكبار يموتون والصغار ينسون".

ومضت تقول:" تماماً كما لم أنسَ أنا طفولتي، أيضاً الأطفال الذين يعيشون في الوطن ويرون الأطفال الأسرى بعمرهم في السجون، كيف لهم أن ينسوا؟ إذا تغير الحجر نقدر على بنائه ثانية، ولكن من رأى الذل وغطرسة الاحتلال وعدم انسانيته فلا بد وأن يتجرأ أكثر؛ ويكبر التحدي بداخله بقولهم "كلها موتة"؛ مبدين استعدادهم للخلاص من هذا العيش المُذّل بشكلٍ يقابلونه بصدورهم".

لا يمكن أن تمر الأكحل دون أن تكحل عينيها برؤية بيت طفولتها وأجدادها، فكل مرة زارته فيها وجدت تغيراً شكلياً فيه من قبل ساكنيه لاعتقادهم بأنها ستنسى بلدها وتملّ، ولكنها تؤكد خطأهم بقولها: "لو غيروا في الأبواب والشبابيك لن يكون بوسعهم تغيير هواء يافا ورائحة برتقالها ولا لون مائها".

ومن الجدير بالذكر أن الفنانة التشكيلية الفلسطينية تمام الأكحل ولدت في مدينة يافا عام 1935، وتعيش حاليا في المملكة الأردنية الهاشمية، وأقامت العديد من المعارض الفنية إذ كانت أول فنانة فلسطينية تقيم معرضاً شخصيا بعد النكبة، وقد حصلت الفنانة على العديد من الجوائز المتنوعة، كما وتم اختيارها شخصية العام الثقافية لعام 2012 في فلسطين.

[title]تنبض بالحياة[/title]

وكانت تتمنى الأكحل أن تتجرأ ساكنة البيت على الخروج لها حين وقفت بالباب تتأمل ملامحه وتستعيد ذكريات طفولتها الجميلة فيه، وتدعي ساكنته ملكية هذا البيت، ولكنها أجبن من أن تواجه أصحاب الأرض والهوية.

يافا ورائحة البرتقال لم تغب أي منهما عن ذهن الأكحل يوما، فيافا القديمة لا زالت هي يافا في ذهنها لم تتغير فهي تراها في عين الماضي وليس بحاضرها الذي شابه بعض التغير في الملامح، إنها مدينة البيوت المتلاصقة ببعضها يصعب تدميرها.

وتضيف: "رأيت في كل بيتٍ شجرا أخضر؛ وأحسست بأن بلدي لا زالت تنبض بالحياة، لا أنسى ما قالته صحفية أجنبية: " تشحدون المياه وتعانون شحها، ولكن الغريب أن في كل بيت هناك نبات"؛ حينها تنهدت تمام وقالت وهي تبتسم: نعيش نحن والنبات على هذه الأرض.

حينما عادت الأكحل إلى حيث تقيم في عمان، ترددت كلمات الغبطة على مسامعها لأنها وقفت على تراب بلادها وشمت رائحة ترابها "نيالك رحتِ البلاد"، تعقب على ذلك: "كل فلسطيني هجر من بلادنا قسراً حرق قلبه لأنه ليس قادرا أن يصل إلى وطنه والعودة له".

حينما سألتها، هل تتمنين أن تزوري فلسطين ثانية، أجابت الأكحل: "يووووه" أتمنى أن يكرمني الله.. ومن فينا لا يتمنى، هذا ليس شعوري فقط بل أمنية كل فلسطيني يعيش خارج فلسطين، حتى أولادنا وأحفادنا الذين ولدوا وكبروا خارجها يتمنون العيش فيها".

وذكرت الأكحل قصة لعائلة فلسطينية رفضت أن تفصح لأبنائها عن سبب تركهم لفلسطين، قائلة : "إنها أسرة كانت كل عام تأخذ أولادها لتمضية الإجازة في بلد مختلف، ولكنهم فجأة قرروا العودة بهم إلى فلسطين".

وأكملت حديثها:" كانت ردة فعلهم مفاجئة وصادمة لوالديهم حينما واجهوهم بأسئلتهم الاستنكارية كيف هان عليكم أن تتركوا وطنكم وتسافروا، هي أجمل البلدان نتمنى أن نعود إليها".

وشددت في نهاية حديثها على أنه مهما طال الزمن الحقيقة ستظهر، وأن الأصل أصل مهما غير الاحتلال وبدل، والأبناء والأحفاد الذين ولدوا خارج فلسطين سيعودن إليها، فحرمانهم من وطنهم كشعور حرمان طفل من حضن أمه".