لا تبدو السلطة الفلسطينية في رام الله حريصة على التزام ما ورد في مرسوم الحريات العامة الصادر عن رئيس السلطة محمود عباس في 20 فبراير الماضي، إذ تواصل محاكمة النشطاء السياسيين على قضايا ذات دوافع سياسية.
وتضرب السلطة بالأجواء الإيجابية السائدة في الساحة الفلسطينية عرض الحائط، التي الجالالتي تلت اتفاق الفصائل الفلسطينية في اجتماع القاهرة في فبراير، حيث يقتضي ضرورة تهيئة الأجواء لإجراء الانتخابات العامة، بدءا بالمجلس التشريعي بعد أسابيع معدودة.
ويتكون المرسوم الرئاسي الصادر عن عباس من تسع مواد بشأن تعزيز الحريات العامة، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين بناء على ما اتفقت عليه الفصائل الفلسطينية في اجتماع القاهرة خلال الشهر ذاته.
ونص المرسوم "على حظر الملاحقة والاحتجاز والتوقيف والاعتقال وجميع أنواع المساءلة خارج أحكام القانون، لأسباب تتعلق بحرية الرأي والانتماء السياسي".
وامتثل الكاتب والمحلل السياسي عادل سمارة، أول من أمس، أمام محكمة رام الله، من أجل البت في قضيته التي مرّ عليها خمس سنوات دون إدانته أو اتخاذ أي قرار قضائي بحقه، بتهمة "القدح والذم"، وفق ما أخبر به صحيفة "فلسطين".
وأوضح سمارة أن المحكمة عقدت جلسة له في القضية التي بدأت في حزيران عام 2016، حتى هذا اليوم، إذ لم يحضر محامي الادعاء واثنان من الشهود، في حين حضرت فقط المدّعية، وهو ما دفع القاضي إلى تأجيل البت في القضية حتى الثامن عشر من شهر مايو/ أيار القادم.
وبحسب قوله، فإن الشهود لم يحضروا إلى المحكمة للمرة الخامسة على التوالي، رغم إبلاغهم بالحضور، الأمر الذي أثار لديه الشكوك والريبة بشأن مصداقيتهم وانتمائهم.
هكذا بدا الحال لدى الصحفي عبد الرحمن ظاهر بمدينة نابلس في الضفة الغربية، الذي عُقدت جلسة محاكمة له أول من أمس أيضًا، والممتدة من العام الماضي، في حين أُجِّلت الجلسة حتى السابع عشر من شهر أبريل/ نيسان الجاري.
وعدَّ منتدى الإعلاميين الفلسطينيين المحاكمة، "مسًّا خطِرًا بحرية الصحافة وانتهاكًا للقوانين الفلسطينية، فضلًا عن الدولية المؤكدة على حرية العمل الصحفي".
خرق المرسوم
وأكد المحامي في مجموعة "محامون من أجل العدالة" ظافر صعايدة، أن المحاكمات السياسية للنشطاء ما زالت مستمرة وتلاحق أصحابها رغم الإفراج عنهم من سجون السلطة.
وعدّ صعايدة خلال حديثه مع صحيفة "فلسطين"، استمرار هذه المحاكمات "خرقًا واضحًا لمرسوم تعزيز الحريات الذي أصدره عباس، بهدف تهيئة الأجواء للانتخابات".
وقال: "ما دام قد صدر مرسوم يتعلق بالحريات، فيجب وقف الاعتقالات السياسية وإغلاق ملفات المحاكمات على خلفية حرية التعبير والرأي"، مضيفًا أن "استمرارها رغم مرور شهر ونصف على صدور المرسوم، يدلل على عدم جديّة السلطة بوقف الاعتقالات وإطلاق الحريات كما يجب".
وجدد تأكيد ضرورة وقف الاعتقالات السياسية وإغلاق جميع ملفاتها المتعلقة بالمحاكمات، خاصة أنها جاءت بانتهاك واضح لحق حرية الرأي والتعبير والانتماء السياسي، لافتًا إلى أن الاستدعاءات لم تتوقف خلال الفترة الأخيرة خاصة على موضوع الانتخابات.
ولفت إلى أن تقليل الاعتقالات السياسية "غير كافٍ"، مطالبًا بضرورة إغلاق جميع المحاكمات، الخاصة بالنشطاء على خلفية النشاط السياسي أو حرية الرأي والتعبير.
وأفاد صعايدة، بأن محامي المجموعة لديهم يتابعون قرابة 15 ملفًا لمحاكمات سياسية خاصة بنشطاء، في حين يتابع محامون آخرون قضايا أخرى.
ورأى الكاتب والمحلل السياسي "سمارة"، أن السلطة تحاول إثبات نفسها على أنها قوة قمعية، فهي تفتقر لفرض السيادة على الأرض وتحاول فرضها على المواطنين فقط، عادّا تلك السياسة "جزءًا من اتفاقية أوسلو".
وأضاف أن الاستمرار بمحاكمته شخصيا "استهداف غير مستغرب" لكونه لا يؤيد طرفًا على حساب آخر، فضلًا عن أنه يرفض العمل باتفاقية أوسلو التي وقّعتها منظمة التحرير مع دولة الاحتلال عام 1993م.
وجدد تأكيد ضرورة مواجهة هذه السياسة عبر حركة اجتماعية سياسية معارضة ورافضة، مع تجنيد المواطنين ضد القمع السلطوي.
حماية الحقوق
من جانبه أكد رئيس جمعية نادي القضاء بالضفة فاتح حمارشة، ضرورة التزام القانون الفلسطيني الذي كفل حرية التعبير والرأي وحمايتها وتنظيمها.
وأوضح حمارشة خلال حديثه مع "فلسطين"، أن هذه التهم المقدمة ضد النشطاء موجودة في قانون العقوبات، "لكنها باتت تُستخدم لتصفية الخصوم السياسيين".
وبيّن أن المرسوم الرئاسي لا يمنح الحقوق والحريات ولا يحجبها ويجب عدم الاستناد إليه بهذا الشكل، لكون هذه الحقوق موجودة في القانون الفلسطيني من أجل حماية حقوق المواطنين وحرياتهم.