مشاورات ماراثونية أُجريت في الآونة الأخيرة لتشكيل القوائم الانتخابية للقوى السياسية الفلسطينية والشخصيات المستقلة على حدٍّ سواء، حيث تجاوزت القوائم الانتخابية التي قدَّمت طلبات الترشيح خمسَ عشرة قائمة انتخابية متنافسة بحسب تصريح سابق للجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية، منها قوائم حزبية وأخرى مستقلة تابعة لفئات مجتمعية متنوعة ما يشير إلى تنافس انتخابي واضح سيشهده الشارع الفلسطيني خلال الانتخابات التشريعية المقبلة، والمزمع إجراؤها في الثاني والعشرين من مايو/أيار المقبل.
ورغم هذا الحراك المحمود فإن عددًا من المؤشرات توحي باحتمالية توجّه السلطة الفلسطينية وحركة فتح نحو تأجيل تلك الانتخابات التي طال انتظارها، خوفًا من تكرار الفوز الكاسح الذي حققته حركة حماس في الانتخابات التشريعية السابقة، خاصة بعد المشاركة الجماهيرية الواسعة في جنازة القيادي في حركة حماس عمر البرغوثي "أبو عاصف" في قرية كوبر قضاء محافظة رام الله التي تُعد العاصمة السياسية للسلطة الفلسطينية، وهو الحشد الذي عدَّته حماس استفتاءً جماهيريًّا على نهج وبرنامج وخيار المقاومة، حيث تخلله رفع شعارات الحركة إلى جانب راية كتائب عز الدين القسام الجناح المسلح لحماس، الأمر الذي فاجأ الكثيرين بقوة حضور الحركة في الضفة المحتلة رغم الاعتقالات والملاحقات المزدوجة لأنصارها من جيش الاحتلال وأجهزة أمن السلطة طيلة السنوات الماضية.
حركة فتح تواجه تحديًا كبيرًا على الصعيد التنظيمي، حيث طفت على السطح خلال الأيام الماضية العديد من الخلافات حول تشكيل قائمتها الانتخابية، كما أنها لا تزال تواجه تحديًا داخليًّا بين صفوفها، بدءًا من ناصر القدوة الذي فصلته فتح من عضوية لجنتها المركزية ومارست عليه عدة ضغوط للتراجع عن تشكيل قائمة انتخابية منافسة للحركة، مرورًا بالقيادي في الحركة الأسير مروان البرغوثي الذي أعلنت مصادر عن فشل مشاوراته مع حركة فتح حول تشكيل قائمة انتخابية موحدة، ما قد يدفعه إلى تشكيل قائمة منفصلة عن الحركة قبل ساعات من انتهاء موعد الترشح للانتخابات.
المُعضلة الأبرز التي تواجهها حركة فتح في قطاع غزة هي قائمة التيار الإصلاحي التابعة للقيادي المفصول من الحركة محمد دحلان، حيث أظهر استطلاع للرأي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في رام الله خلال منتصف شهر مارس الحالي أن 10% من المستطلعة آراؤهم سيصوتون لقائمة دحلان مقابل 29% لقائمة حركة فتح الرسمية، ما يشير إلى انقسام حاد في صفوف المؤيدين لحركة فتح والذين ستتوزع أصواتهم الانتخابية بين القوائم المنشقة عن الحركة.
الوضع التنظيمي الداخلي الذي تعيشه حركة فتح في الآونة الأخيرة والذي يشكك بإمكانية فوز حركة فتح في الانتخابات التشريعية المقبلة، دفع كلًا من الأردن ومصر بحسب مصادر عديدة إلى تحذير السلطة الفلسطينية من صعود حركة حماس في الانتخابات المقبلة، لكن قرار تأجيل الانتخابات يتطلب غطاءً سياسيًّا من الإدارة الأمريكية على وجه الخصوص، ما دفع رئيس السلطة الفلسطينية إلى إرسال وفد مكون من رُجلَي الأعمال: سامر الخوري، وبشار العزة إلى واشنطن لبحث تأجيل الانتخابات بحسب ما نشرت صحيفة رأي اليوم اللندنية قبل أيام.
القرار بتأجيل الانتخابات يحتاج إلى مبررات سياسية تستطيع من خلالها حركة فتح إقناع الشارع الفلسطيني بأسباب وأهمية هذا القرار، وبالبحث عن مبررات التأجيل نجد أن حركة فتح ضاعفت مؤخرًا وتيرة التصريحات الإعلامية حول ضرورة إجراء الانتخابات داخل مدينة القدس المحتلة، حيث أعلن عزام الأحمد أن "إسرائيل أبلغت المراقبين الأوروبيين بعدم الحضور لمراقبة الانتخابات بحُجّة كورونا"، قبل أن ينفي الاتحاد الأوروبي لاحقًا صحة تلك التصريحات، في حين صرَّح رياض المالكي وزير خارجية السلطة الفلسطينية بأنه "لن يكون هناك انتخابات بدون القدس"، مشيرًا إلى أن "الاحتلال لم يُجِب حتى الآن على طلب السلطة الفلسطينية بإجراء الانتخابات في القدس"، وأيضًا أعلن أحمد مجدلاني عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير "استحالة إجراء الانتخابات العامة دون مشاركة مدينة القدس ترشُّحًا وانتخابًا، من خلال صناديق الاقتراع في العاصمة" بحسب قوله.
قرار تأجيل الانتخابات الفلسطينية بسبب منع الاحتلال إنما يعزز من هيمنة الاحتلال على القرار الفلسطيني، فالعديد من النداءات الفلسطينية طالبت بأن تكون الانتخابات في مدينة القدس معركة سياسية وطنية مع الاحتلال، وكان الأجدر بالسلطة الفلسطينية وضع بدائل عملية تؤكد فلسطينية المدينة المقدسة وتتخطى عقبات الاحتلال، حيث تستطيع السلطة -لو رغبت- التنسيق دبلوماسيًّا لإجراء الانتخابات داخل مقرات البعثات الدبلوماسية التابعة للدول الصديقة في مدينة القدس، أو تمكين أهالي القدس من الاقتراع الإلكتروني، أو وضع صناديق انتخابية في ضواحي القدس، وغيرها من الحلول التي تهدف إلى عدم منح الاحتلال نشوة الانتصار بالسيطرة السياسية على المدينة المقدسة.
الحالة المترهلة التي تعيشها حركة فتح، وبحثها عن مبررات واهية لتأجيل الانتخابات خوفًا من تكرار الهزيمة في صندوق الاقتراع دفع موسى أبو مرزوق القيادي في حركة حماس إلى التصريح بأن "تقديراته لتأجيل الانتخابات تصل إلى 40%، وأن رئيس السلطة الفلسطينية قد لا يُجري الانتخابات في حال شعر أنه مهدد بالخسارة"، ونختم بقولنا: لقد صدق الرجل في توقعاته.