ينتابني شُعور جَمَلٍ تائهٍ في البيداء، يقتله الظمأ والماء على ظهره ولا يستطيع أن يشرب.. نعم؛ إنه جمل! إنه يُقَدِّر التبن أكثر من الذهب!
كان هذا في عالم الحيوان، وقِس على ذلك الكثير في العائلة البشرية وبقية العوالم الأخرى؛ بصرف النظر عن مقتضيات العقل والغريزة ومفاعيلها لدى الكائنات الحية.
أما وقد كرَّم الله بني آدم في الدائرة البشرية فهو يبقى محل الانتقاد والمراوحة، بين الشك واليقين، والتفاعل والانفعال في الحياة المجتمعية العاقلة.
لا بأس أن نوطئ لموضوع المرحلة السياسية، في آخر مستجدات قضيتنا، وكأنها الأخيرة، ومنتهى الحياة!
يقينًا إنها ليست كذلك..
اللَّغَط اتسع مداه في الآونة الأخيرة بشأن الانتخابات، وكأنها الضرورة القصوى، التي لا بد منها، كي تستوي بقية الأمور، نحو الأحسن والأجدى، في حسم معركتنا التي تتلاعب بها الأقدار والأنواء السياسية، في أجواء مدلهمة السواد والحلكة، في عالمنا العربي وفي العالم بأسره، وقد اختلط فيها الحابل بالنابل، وواقع الحال يَعجُّ بخربطات سياسية واجتماعية، وصراعات تكاد تفتك بالبشرية لا أول لها ولا آخر، وكأنَّ ما كان يمكن اختزال حله في جُرعة حِكْمَةٍ أو دواء، يباع ويشترى من صيدليات الزمان.
أن جدلية الانتخابات في الشأن الفلسطيني، التي تدور عجلتها بين هنا وهناك وهنالك، ويتحلق حولها لفيفٌ من النخب تحت مختلف اليافطات، وبكل جبخانات السلاح والمال والشعر والعنطزة، والعتابا والميجنا والدبكة والدلعونة.. كلها ليست جديدة، وهي مع الأسطورة الأزلية، في معترك الحياة حين لا يجد الجد وتدور الطاحونة بالطحين.
وإن إرادة الحياة الحرة، التي يتمنطق بها الأُباة والأحرار، تظل هي معقل الأمل والرجاء.. وهي ليست بالكم والعديد والكثرة، ودائمًا يبقى القول الفصل، (إن الكرام قليلُ)!
رحم الله من تسلح بالإيمان، وعض عليه بالنواجذ، وخاض معمعة الكفاح، في ظل قعقعة السلاح، يترجمها أبطال تعمدوا بماء الطهارة وقرار الاستشهاد والشهادة على ساحة الوغى، تنادوا إليه دون إذن أو تصريح من أعشاش البجع والغِربان!
أيتها النخب..
أخص منكم النخب الوطنية المؤمنة الصادقة النقية والواقعية وليس الشاعرية والرومانسية والعنترية، لتقرعوا الجرس، وتقودوا المعمعة والمسيرة بقدسيتها وجلالها.
لقد قرفنا حتى الثمالة والهذيان من ذكر "أوسلو 1993" وسالفتها "كامب ديفيد 1978" ولاحقتها "وادي عربة 1994" ثم لهطات ولطمات أبوظبي والمنامة والخرطوم والرباط عام 2020، وما سيأتي..!!
هل تم طرح هذه المُخْزِيات والخربشات السياسية على أهل "الحل والعقد" في الساحة العربية لإقرارها أو أخذ الرأي بشأنها؟!
قد تجد من يقول إن كفاءة القيادات على امتداد الساحة العربية تملك من الحصافة السياسية، والكفاءة الفكرية والعلمية ما يمكنها من التصرف في مقدرات الأمة، بعبقريتها وحنكتها الطبيعية وموروثها الخلاق؛ فيما لا حاجة للتفكير في شيء من هذا، اللهم إن هذا إلا شطحات خيال!
فيا هؤلاء وأولئك من النخب الوطنية يجب أن تتذكروا أن "حماة ديارنا" ما هم إلا أكذوبة كبرى بيتها أوهى من بيت العنكبوت، وأن حماتهم، بما يملكون من مال وسلاح ومقدرات ما هم إلا بالونات وفقاقيع، نفختها جوقات الرخم والبوم من النخب الفلكلورية الهزلية المتمرغة في وحول الذل والعار، المكشوفة والمرذولة بانتظار ساعة الخلاص منها، بُعَيدَ الخلاص من سادتها وسادة سادتها الذين تحوط بهم لعنات الضمائر الحية لدى شعوبهم الأبية وكل أشراف الدنيا.
الضرورة تقتضي أن لا مساومة على الحقوق، والضرورة الملحة ان يتخطى صاحب الحق كل المعوقات دون أن يستأذن أحدًا.. والحقوق تنتزع انتزاعًا بالعزائم القوية في أجواء الإرادة الحرة، دون تلكؤ أو إبطاء.
وأخيرًا وليس آخرًا تكون مرجعية القرار لذوي الحل والعقد، لا لشعبطة الانتخابات وتقاليد اللف والدوران.
إنها الضرورة الحتمية التي تقتضيها المرحلة في أجواء أعاصير وأنواء الظلم والظلام، ثم تأتي إن شاء الله على ما يتحرر من أرض تَرَف الانتخاب، بحكم الضرورة لا الاضطرار.