من المبادئ الدستورية التي تغيب عن كثير ممن رشحوا أنفسهم أو رشحتهم فصائلهم أو تنظيماتهم لعضوية المجلس التشريعي أن المرشح حال نجاحه في الانتخابات يتحول من مرشح الحزب أو التنظيم أو الفصيل إلى ممثل ونائب عن الأمة بأسرها، وذلك يعني أن أمانة التمثيل داخل البرلمان يجب أن تنطلق من المصلحة الوطنية العليا في العمل البرلماني وليس المصلحة الحزبية الضيقة، ومن باب أولى ليست المصلحة الشخصية البحتة.
وعليه فإن النائب عند جلوسه تحت قبة البرلمان يحمل أمانة الوطن والمواطن، أما أمانة الوطن فتتجلى في حفظ ترابه ومقدساته وثرواته ومكتسباته بما يصون تاريخه وثقافته وإرثه الحضاري، فالنائب قد يكون في لحظة ما هو الجدار الأخير الذي يسند الوطن بصوته، فقد تتوقف الأمور كلها عند كلمة واحدة منه فينجح مشروع سياسي أو يفشل، أو تنجح خطة دولية أو تفشل، وقد تنجح حكومة أو تفشل، وقد ينجح مشروع ثقافي أو يفشل، كل ذلك مصيره معلق بصوت النائب الذي هو سلاحه في الدفاع عن الوطن، وما أعظم قيمة صوت النائب في هذه اللحظة التاريخية التي ربما لم تتبادر إلى أذهان الكثير ممن هم على وشك خوض المعركة الانتخابية.
ففي لحظة تاريخية فارقة قد يقف النائب على مفرق طرق ليختار طريقاً واحداً رضي به ضميره بعد أن استحضر في نفسه مصلحة الوطن في حاضره ومستقبله، فيقول كلمته التي ربما تخالف قرار تنظيمه أو حزبه أو الائتلاف الذي ينتمي إليه، ولكنه أرضى ضميره، وقبل ذلك أرضى الله سبحانه وتعالى بأنه صان أمانة الصوت التي حملها.
أما أمانة المواطن فهي أمانة لا تقل في عظمتها وخطورتها عن أهمية وعظمة أمانة الوطن، فعزة المواطن من عزة الوطن وكرامته من كرامة الوطن، والنائب تحت قبة البرلمان صوت المواطن الفلسطيني أيما كان الانتماء الحزبي أو الفصائلي أو الأيديولوجي لهذا المواطن، وسواء كان هذا المواطن غنيا أو فقيرا، مثقفا أو بسيطا، أو كان ينتمي لحزب أو مستقلا ذا مكانة اجتماعية أو من عوام الناس، فأنت صوته أيها النائب المعبر عنه بكل صدق وأمانة وأنت ملاذه وأنت نصيره.
صوتك هو الأمان الذي يتدثر به فيحميه من بطش السلطات إذا ما جارت فيقرر له قوت يومه وقوت أسرته إذا ما طحنته ماكينة القرارات الحكومية إذا لم تراعَ فيها الجوانب الإنسانية وحاجة المواطن.
وأنت سنده إذا ما تسلط عليه متنفذ أو متجبر، فلا تجعل الحزبية تعمي عينيك عن ظلم مورس ضد مواطن أو حق أهدر لمواطن، فلا تكن وسيلة يشرعن بها الآخرون ظلمهم أو فسادهم أو فشلهم، وحذارِ أن تتعامل مع المواطن على أساس حزبي أو فصائلي، بل ضع نصب عينيك أنهم كلهم أبناء فلسطين، هم أبناء الشهداء والأسرى والجرحى، كلهم عانوا وقدموا وضحوا، وكلهم لهم أحلام وطموحات، وكلهم لديهم حاجات ومتطلبات حياة، ولذلك صوتك عزيز وغالٍ إذا ما وضعت الحقوق والأحلام والطموح على المحك، فلا تخذلهم بصوتك، ولا تتنكر لفلسطينيتهم انتصاراً لمصلحة حزبية ضيقة، ولا تقتل فيهم الأمل بوطن يحضن أبناءه، يعتز بهم ويعتزون به، يحميهم ويحمونه، ويفخر بهم ويفخرون به.
أخي المرشح: النائب صوت الضمير الوطني الذي لا يغفل ولا ينام، ولا يساوم ويهادن، فلا يغرينك منصب وزير، ولا ارتقاء في سلم التنظيم، ولا القرب من القيادة، بل اقترب من المواطن البسيط واستبدل منصب الوزير بوظيفة قاضي الحاجات، ولتكن حبيب البسطاء والفقراء، وذلك هو الفوز المبين.