فلسطين أون لاين

صاحب الحاجة يطرق باب المؤسسات المعنية

التسول له أبعاد خطرة حرمتها الشريعة الإسلامية

...
غزة-ريما عبد القادر:

اهتم الإسلام بالإنسان وكرمه، إذ قال سبحانه في كتابه العزيز: "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ" (الإسراء:70)، ولهذا التكريم جعله خليفة الأرض كما جاء في قوله تعالى: "إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً" (البقرة: 30)، وهذا يتطلب من الإنسان العمل والإعمار والسعي في الكسب بحيث يكون منتجًا يسعى إلى التنمية.

وهذه المهمة الأساسية تتنافى كليًّا مع التسول الذي يُبنى على الكسل والذل والمهانة، ويعطي صورة مسيئة للمجتمع، وهذه المذلة لا تكون في الدنيا فحسب؛ بل في الآخرة.

يمنع التنمية

وعند النظر للإنسان المتسول فإنه لا يتسبب بالضرر لنفسه فحسب؛ بل يسيء إلى مجتمعه، إذ يقول عميد كلية الشريعة والقانون في الجامعة الإسلامية أ. د. تيسير إبراهيم: "إن التسول أمر سيئ في أي مجتمع وحتى في المجتمعات غير المسلمة، فإنهم بذلك يعدُّونها مسيئة".

ويرجع سبب ذلك في حديثه مع صحيفة "فلسطين"، إلى أن التسول يعكس أن هذا المجتمع "ذليل ومهانٌ يسأل الناس، والأمر لا يقتصر على ذلك، بل يقلل الإنتاجية؛ لأنه بذلك يعود هذا المتسول نفسه ويعود الآخرين أنه عنصر مستهلك".

ويوضح أن المتسول يحرم نفسه من أن يكون عنصرًا منتجًا وأن يكون له دور في التنمية، وعوضًا من ذلك يقبل على نفسه بالتسول بأن يكون عنصرًا مستهلكًا، وبهذه الأبعاد يكون التسول سيئًا لأي مجتمع من وجهة نظر الإسلام.

الحكم الشرعي

ولا تقتصر نظرة الإسلام على التسول بأنه سيئ فحسب؛ بل أكبر من ذلك إذ يقول إبراهيم: "الإسلام حرمه تحريمًا واضحًا وخصوصًا إذا كان المتسول لا يتسول عن حاجة، إنما يتسول استكثارًا للمال وتكسبًا بحيث يجعله مهنة".

ويسترشد بذلك بأحاديث وصفها بالمخيفة في الذين يتسولون لا عن حاجة منها: عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ حَتَّى يَلْقَى اللهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ".

ويبين أن هذا الحديث يؤكد أن التسول مهانة في الدنيا وفي الآخرة، فهو كما أذل نفسه بلا حاجة في الدنيا كذلك يذله الله تعالى في الآخرة.

كما يستدل بأنَهُ: "مَنْ سَأَلَ وَعِنْدَهُ مَا يُغْنِيهِ ، فَإِنَّمَا يَسْتَكْثِرُ مِنْ جَمْرِ جَهَنَّمَ"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا يُغْنِيهِ؟ قَالَ: "مَا يُغَدِّيهِ أَوْ يُعَشِّيهِ".

ويتابع: "من هذه الأحاديث وغيرها الفقهاء حرموا التسول وبعضهم حرموه مطلقًا"، مشيرًا إلى أنه في السابق كان المجتمع بسيطًا أما اليوم فالمجتمع فيه مؤسسات رعاية اجتماعية ومؤسسات خيرية فعلى الإنسان إن كان في حاجة بدل أن يتسول ويطلب من الناس أن يطرق أبواب المؤسسات المعنية بذلك.

أبعاد خطرة

وللتسول أبعاد خطرة جدًّا ينبه إليها إبراهيم قائلًا: "المتسول ممكن أن يتعرض للابتزاز خاصة أننا في مجتمع يعيش حالة صراع مع الاحتلال".

ويردف: "حينما يتسول الأطفال فنحن بذلك قد أضعنا مستقبلهم فصارت بذلك سلبية مركبة للتسول نفسيًّا، واقتصاديًّا ودينيًّا واجتماعيًّا، وممكن أن تكون أخلاقية وأمنية، ونظرًا لكل هذه الأبعاد فإن التسول ممنوع، وهذا يتطلب ملاحقة الجهات المختصة لذلك وإصدار التشريعات التي تتعلق بها، ومن له حاجة فيطرق أبواب الجهات المختصة".

ضعف إيمان

وعن خطر التسول من ناحية العقيدة يقول الشيخ صلاح نجيب الدق في بحث بعنوان: "ظاهرة التسول: أسبابها وعلاجها"، والذي اطلعت عليه صحيفة "فلسطين"، :"إن اتخاذ التَّسوُّل حرفةً، وجعله وسيلة لجمع المال: دليلٌ على ضعف ثقة المتسوِّل بالله تعالى الذي ضمن الأرزاق لجميع عباده، وأمرهم بالأخذ بالأسباب للحصول على الرزق؛ فالمتسوِّل بدلًا من أن يتوجه إلى الله لطلب الرزق، فإنه يمد يده إلى الناس".

ويسترشد بقول الله تعالى: "وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ" (هود:6).

ارتقِ بنفسك كُن أنت من يبني هذا الوطن لا من يذله، ويدمر ليس مستقبله فحسب؛ بل مستقبل أطفاله، مال المذلة لن يغنيك ولن يغطي حاجتك، فكن عزيزًا واطلب العون من الله تعالى، وخذ بالأسباب، شمر عن ساعديك بالعمل الحلال.

وإن كانت لك حاجة حقيقية اطرق بكرامة باب المؤسسات المعنية والخيرية، فهي أقيمت لأجلك، فكن كما قال الرحمن في كتابه العزيز: "لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا ۗ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ" (البقرة:273)، فهم على الرغم من فقرهم فإنهم يحافظون على كرامتهم في شكلهم ولباسهم وكلامهم.