أيام وستنتهي فترة الترشُّح لانتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني، وسيُغلق باب الانسحاب من الترشُّح، ثم سيُعرض المرشحون على الشعب ليختار منهم من يراه جديرًا بتمثيله في البرلمان، ومن سيُختار سيواجه مهمة عظيمة، وسيحمل أمانة ثقيلة في عنقه، وسيكون عرضة للحساب أمام الشعب أولًا، ثم أمام الله سبحانه وتعالى في الآخرة، فيا أيها المقبل على الترشُّح والمتشوق له، هلا فكرت للحظة قبل الولوج إلى الميدان؟ فتأملت في نفسك وفتشت فيها عن عدتك التي أعددتها لخوص غمار هذا المعترك، هل دققت في قدراتك وإمكاناتك ووضعتها للحظة تحت الاختبار لترى أتنجح أم تفشل؟ هل تحسست قلبك وأيقنت أنك راضٍ عما تفعل، هل راجعت شريط ذكرياتك لتتذكر ما كنت تطلبه ممن سبقك من النواب ثم حدثت نفسك فسألتها هل أنتِ قادرة على أن تأتي بما لم يأتِ به من سبقك منهم؟
إذا كنت قد هيَّأت نفسك لكل هذا فاسمع إذًا.
إذا قدر الله لك النجاح في هذه الانتخابات ستكون مسؤولًا عما يزيد على حوالي خمسة ملايين فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس، منهم مئات الآلاف بلا وظائف أو عمل، بعضهم شريحة العمال التي هي أكثر الشرائح حاجة ولا تكاد تجد قوت يومها، وجلها تعيش على المعونات الاجتماعية التي تقدمها بعض الجهات الدولية وبعض الجهات المانحة، والبعض الآخر وهم عشرات آلاف الخريجين الذين أنهوا دراستهم الجامعية وينتظرون فرصة للتوظيف، وهذه الفرصة تعتبر باب الأمل في حياة كريمة بعد أن استنزفوا أسرهم في متطلبات مرحلة التعليم.
ستكون مسؤولًا أيضًا عن حماية خمسة ملايين من مرض كورونا ومطلوب منك أن توفر لهم اللقاحات وتعالج من أصيب منهم، وفي سبيل ذلك عليك أن تعمل ليل نهار كي تحمي القطاع الصحي من الانهيار، وتبذل كل وقتك وجهدك في توفير العلاج اللازم من كل بقعة في الأرض تستطيع أن تصل إليها، فإذا نجحت في ذلك عليك أن تحافظ على استمرار العملية التعليمية في ظل هذه الأوضاع المعقدة كي تحمي أبناء شعبك من الجهل، فأنت مسؤول عن تعليمهم وتوفير كل ما يلزم كي يبقى هذا القطاع قائمًا بدوره.
ستجد أمام بيتك كل يوم من يسألك مسألة خاصة به، ولن تستطيع أن ترده فقد اختارك من أجل أن تلبي له مسألته، وإياك أن تقول أن هذا ليس دوري أو أنه ليس من اختصاصي، فالمواطن البسيط لا يفهم هذه اللغة أبدًا، فأنت أمامه المسؤول الذي يجب أن يوفر له كل احتياجاته، سيكون أيضًا أمامك ملفات الاستيطان والقدس واللاجئين ومحكمة الجنايات الدولية والعلاقات العربية والدولية والموازنة العامة والتنمية الاقتصادية والاجتماعية وكذلك ملفات البنية التحتية والإسكان والكهرباء والطاقة والقضاء والتطوير الإداري ...إلخ من الملفات التي ستكون مطالَب بفهمها ومناقشتها والتصويت عليها بالموافقة أو الرفض.
وستكون على الدوام مطالب بمراقبة الجهات التنفيذية للتأكد من قيامها بدورها دون أي خلل، فإذا ما وجدت أي اعوجاج عليك التدخل لتقويمه من خلال وسائل الرقابة التي نص عيلها القانون الأساسي، الذي يجب عليك أن تفهمه جيدًا لتعرف كيف تقوم بدورك وما هي واجباتك وما هي التزاماتك.
ثم عليك أن تكون عضوًا أو رئيسًا في إحدى لجان المجلس، لتحضر اجتماعاتها وتناقش ما يعرض عليها، وتقرأ آلاف الأوراق وتتطلع على عشرات التقارير وربما المئات التي سيناقشها النواب في جلسة البرلمان، ويجب أن يكون لديك القدرة على مناقشة كل ما يعرض في المجلس من مشاريع قوانين وتقارير لجان وسيكون صوتك أمانة.
أخي المرشح عرضت لك بعضًا من الهم الوطني الكبير الملقى على عاتق كل من يجلس على مقعد البرلمان، وهو هم تتصاغر أمامه كثيرًا مسألة الوجاهة أو التشريف أو المكانة الاجتماعية لكل من وعى دوره من المؤتمنين على هذا المنصب.
فمن عرف حقًا استحقاقات دور النائب في المجلس المقبل عليه المرشح، سيكون أمامه أربع سنوات لا يجد للراحة فيهن سبيلًا.
فإن كان لكاهليك القدرة على حمل هذا العبء الثقيل فاسأل الله العون ثم تقدَّم، وإذا وجدت غير ذلك فلا تكونن ظلومًا جهولًا.