فلسطين أون لاين

"أيقونات الوطن" يروين قصصًا ملهمة تكسَّرت الصعاب أمامها

...
غزة- مريم الشوبكي:

انهمر الشجن من كلمات سهير البرغوثي "أم عاصف"، والدة الشهيد صالح، والأسير عاصم، والمحرَّرين عاصف ومحمد، وزوجة المحرر عمر البرغوثي "أبو عاصف"، في وصف صورة المرأة الفلسطينية الصامدة.

في كلمة مسجلة مقتضبة، خلال فعالية "أيقونة وطن" التي أقامتها الحركة النسائية الإسلامية-حماس، في غزة أمس، تحدثت البرغوثي عن أداء دوري الأم والأب مع غياب زوجها بسبب أسره عشرات المرات من قبل الاحتلال الاسرائيلي، وكيف استطاعت أن تكون الأم القوية التي تمد أبناءها بعزة النفس والكرامة والصلابة.

روت كيف أن زوجها عمر أسره الاحتلال، وابنها الأول عاصف لم يكن تعدى أربعة أشهر من عمره، وكيف أنها كانت تتسلح بقناعة القوة والجسارة في كل مناسبة، وحين تبلل دموعُها وسادتها.

تقول البرغوثي: "أبو عاصف دائما يسألني عن سر احتفاظي بوسادتي، فكنت أجيبه أنها تشهد على الدموع التي أسلْتُها بسبب غيابك أنت وابنيَّ".

"تزوجت ابنتي الوحيدة وصالح في حين كان أبو عاصف في السجن، وحتى عند استشهاد صالح أسرَه الاحتلال، ومع ذلك كنت أستقبل الناس وأرحب فيهم وأؤكد لهم أن هذه الطريق التي مشيناها هي طريق العزة والكرامة والاستشهاد"، تواصل حديثها.

وتتابع: "صالح اختار الطريق الصحيح لأن الجنة هي سلعة الله الغالية، ونحن قدمنا أغلى ما لدينا وهو صالح".

وأم عاصف واحدة من العديد من الأيقونات اللاتي تحدثن عن قصصهن الملهمة وأثبتن أن الفلسطينية لا يمكن أن تستسلم، والصعوبات أمامها تنكسر، فالمرأة هي أيقونة الوطن لأنها صاحبة القصص الملهمة في صبرها وصمودها ومقاومتها ونضالها من أجل عودتها إلى أراضيها المحتلة منذ 1948، من حكاياتها تتعلم نساء العالم معنى التضحية بالغالي والنفيس ليحيا الوطن.

الأيقونة الثانية التي تتحلى بإرادة يعجز بعض الأصحاء عن امتلاكها، هي إيمان أبو صبحة التي تعاني إعاقة حركية.

تروي حكايتها منذ لحظة صرختها لاستقبال الحياة، حينما أخبرت الممرضة والدها بهذه الإعاقة، فرد عليها: "الله أرحم عليها منا".

كانت والدتها تبكي منهارة، لأنها لن تتحمل أن ترى ابنتها تتألم، حتى تحدى الأب هذه المعاناة، وعرضها على كثير من الأطباء في الخارج، بعضهم لم يمنحوه الأمل بعيشها، إلا واحد منهم أعطاه طاقة أمل بأن إيمان ستعيش وستكون ذكية جدا.

تمسك والدها بهذا الأمل، وتعامل الأهل معها بكل احتواء وحب والخوف عليها من الألم لأن أي حركة بسيطة يمكن أن تصيبها بالكسر، فوالدتها كانت تشتري لها لبس العيد وتعلقه أمامها لأنها لا يمكن أن تلبسها إياه خوفا من تكسر عظامها.

تروي إيمان كيف أن طفلة في حارتها عايرتها بأنها لن تستطيع الالتحاق بالمدرسة لأنها على كرسي متحرك، أسرعت إلى حضن أبيها، الذي لف كل مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، الذين رفضوا استقبالها.

مُحفِّظة قرآن

لم يستسلم والدها وحملها إلى مدير التربية والتعليم آنذاك، الذي ذهل من إجابتها، وهي لم تلتحق برياض الأطفال البتة.

نقطة التحول في حياة إيمان حينما رفضتها مديرة المدرسة وطلبت من والدها أن يحولها لتدرس دراسة خاصة (منازل)، تقول: "ودعت مدرستي وصديقاتي والصفوف، مرت السنوات وكنت أرى عائلتي تقرأ القرآن في رمضان، فدعوت الله أن يُبنى مسجد بجوار بيتنا واستجاب لي، وأخذتني أمي معها لكي أحفظ القرآن فيه وبالفعل حفظته في عامين".

ومن حافظة للقرآن، أصبحت إيمان محفظة لعشرات الطفلات في مسجدها، ومؤخرا افتتحت قناتها على يوتيوب باسمها، حتى تبعث الأمل والتفاؤل لنا، فشعارها "لا حياة مع اليأس، ولا يأس مع الحياة".

وتُرجع الفضل في نجاحها إلى والديها بعد الله، اللذين كانا يفتخران بأنها ابنتهما أمام الجميع.

والأيقونة الثالثة "ريشة فلسطين" رسامة الكريكاتير أمية جحا، التي عززت الفن لدعم القضية الفلسطينية.

واستعرضت أمية عددا من الصور المؤثرة في بداية حياتها وغيرت مجراها، كان أكثر المواقف الصادمة في بداياتها حينما حصدت المركز الأول على دفعتها في تخصص الرياضيات، والأولى على الجامعة أيضا.

كانت أمية تجهز نفسها لتلقي كلمة الخريجين، ولكن الصادم في الأمر حينما صعد أحدهم المنصة وألقى الكلمة بدلا منها.

تقول أمية: "أقسمت حينها أنني سأدعى في يوم قريب لأقيم معرضا لرسوماتي، وأُكرَّم فيه خير تكريم، وهذا ما حدث بالفعل بعد أربع سنوات من الواقعة".

وتستعرض بصمة ثلاثة رجال في حياتها، هم: زوجاها الشهيدان رامي سعد ووائل عقيلان، وزوجها الحالي صابر أبو كرش.

وحصلت أمية على جوائز عدة، وأقامت العديد من المعارض المحلية والعربية والدولية.

من جانبها تقول رئيسة الحركة النسائية الإسلامية سابقا رجاء الحلبي: "فلسطين ستبقى وطنا كريما عزيزا رغم الاحتلال الإسرائيلي ومن طبَّع معه، والنضال ضد الاحتلال خرّج إلينا هذه الأيقونات".

وتضيف الحلبي: "سر اختيار أيقونة وطن عنوانا للاحتفال، لنقول للجميع إن من سيخرج على هذه المنصة هي أيقونة واحدة لتتحدث عن الفئة التي تمثلها، وما أكثرهن الأيقونات الذين رسموا عشرات اللوحات المشرفة في تاريخ شعبنا".

وتوجه تحية لكل أيقونات فلسطين، قائلة: "في يومها العالمي نطلق عهدا ووعدا متجددا دوما لنبقى الأوفياء لوطننا حتى نكنس الاحتلال عن أرضنا، أرض الأنبياء والمرسلين، والعظماء والمضحين".

وتردف الحلبي: "نحن في الحركة النسائية الإسلامية منذ عقود نؤكد أن هذا الوطن المسلوب له أصحاب وله قضية عظيمة، وأردنا أن نعيد البوصلة لأننا أيقونة لهذا المشروع الإسلامي العظيم بتحرير فلسطين وهو الوطن الذي نعيش فيه ويعيش فينا"، مطالبة العالم بالنظر إلى المرأة الفلسطينية، ومشاركتها تحرير فلسطين، والصلاة في المسجد الأقصى.

وتخاطب المؤسسات الحقوقية التي تنادي بحقوق المرأة، بقولها: أين أنتم من حقوقها في هذه الأيام؟ ماذا فعلتم من أجلها؟ انظروا إلى الفلسطينية التي تستشهد كل يوم، والمرابطة التي يأسرها الاحتلال وهي تدافع عن قدسية مقدساتها.