انتقد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الدول الثرية بسبب تخزينها اللقاحات المضادة لفيروس كورونا المستجد، إضافة إلى الصفقات الجانبية مع مصنعي هذه اللقاحات التي تقوض فرص تلقي جميع الناس اللقاح في العالم، كذلك، أضاف: "إن حملة التطعيم العالمية تمثل أعظم اختبار أخلاقي في عصرنا"، مشيرًا إلى أن "كثيرًا من البلدان المنخفضة الدخل لم تتلقَّ بعد جرعة واحدة من اللقاح، في حين أن بعض البلدان الأكثر ثراء في طريقها إلى تطعيم جميع سكانها"، وصرح غوتيريش سابقًا أن توزيع اللقاحات ضد فيروس كورونا المستجد في العالم غير عادل وغير متساوٍ، ويضغط غوتيريش من أجل إتاحة لقاح «كوفيد-19» للجميع، وأن تقدم الدول الغنية المساعدة للدول النامية في مكافحة الجائحة والتعافي منها.
وحقيقة أن (إسرائيل) التي يبلغ عدد سكانها تسعة ملايين نسمة كانت قادرة على تأمين هذه الكميات الكبيرة من اللقاحات، وذلك له علاقة بالشروط التعاقدية الخاصة التي تفاوضت عليها (إسرائيل) مع المصنعين، وعلى العكس من الاتحاد الأوروبي، أعلنت (إسرائيل) الشروط التعاقدية، ونشرت الاتفاقية مع شركة فايزر وجعلتها متاحة للجميع للاطلاع عليها في الإنترنت.
ووفقًا للاتفاقية، دفعت (إسرائيل) مبالغ أكبر بكثير مقابل جرعات التطعيم من شركة بيونتيك وفايزر مقارنة بالاتحاد الأوروبي، وحسب الاتفاقية دفعت (إسرائيل) نحو 23 يورو للجرعة مقابل 12 يورو هي ما دفعها الاتحاد الأوروبي للجرعة، ما مكن حكومة الاحتلال الإسرائيلي من الاستحواذ على أكبر كمية من إنتاج الشركات المصنعة للقاح الذي تحجبه عن الفلسطينيين، وهذا ما دفع منظمة "هيومن رايتس ووتش" إلى القول: "إن على السلطات الإسرائيلية توفير لقاحات ضد فيروس "كورونا" لأكثر من 4.5 مليون فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلّين"، وأضافت: "واجبات (إسرائيل) بموجب "اتفاقية جنيف الرابعة" لضمان الإمدادات الطبية -ومنها مكافحة انتشار الأوبئة- تصبح أكثر إلحاحًا بعد أكثر من 50 عامًا من الاحتلال دون نهاية في الأفق، تشمل هذه المسؤوليات إلى جانب التزاماتها بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان توفير اللقاحات دون تمييز للفلسطينيين الذين يعيشون تحت سيطرتها، باستخدام ما تقدمه لمواطنيها معيارًا، في حين التزامات السلطات الفلسطينية الخاصة بحماية الحق في الصحة للفلسطينيين في المناطق التي تدير فيها شؤونهم لا تعفي (إسرائيل) من مسؤولياتها."
تدّعي سلطات الاحتلال الإسرائيلي أن مسؤولية تطعيم الفلسطينيين بموجب "اتفاقيات أوسلو" تقع على عاتق السلطة الفلسطينية، قال وزير الصحة الإسرائيلي لشبكة "سكاي نيوز": "عليهم أن يتعلموا كيف يعتنون بأنفسهم"، و"لا أعتقد أن هناك أي شخص في هذا البلد -مهما كانت آراؤه- يمكنه تخيل أنني سآخذ اللقاح من المواطن الإسرائيلي وبكل حسن نية أعطيه لجيراننا"، لكن تُلزم "اتفاقية جنيف الرابعة" (إسرائيل) بصفتها القوة المحتلة بضمان "تزويد السكان (تحت الاحتلال) بالإمدادات الطبية"، ومن ذلك "اعتماد وتطبيق الإجراءات الوقائية اللازمة لمكافحة انتشار الأمراض المعدية والأوبئة ... بأقصى ما تسمح به وسائلها"، لا تزال (إسرائيل) القوة المحتلة في الضفة الغربية، وفيها شرقي القدس، وغزة، بموجب القانون الإنساني الدولي، نظرًا إلى سيطرتها على الحدود، وحركة الأشخاص والبضائع، والأمن، والضرائب، وتسجيل السكان، ومجالات أخرى.
وهذا الالتزام يفرض نفسه بموجب القانون الدولي العرفي المتأصل في المادة 43 من قرارات لاهاي لعام 1907 لضمان النظام العام والسلامة للسكان تحت الاحتلال، في هذه الظروف تكون احتياجات السكان تحت الاحتلال أكبر، ويكون لدى المحتل مزيد من الوقت والفرصة لتحمل مسؤولية حماية الحقوق.
كلما طال أمد الاحتلال وجب أن يكون الحكم العسكري أشبه بنظام حكم عادي يحترم معايير القانون الدولي لحقوق الإنسان التي تنطبق في جميع الأوقات، يُلزم "العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية"، الذي صدقت عليه (إسرائيل) عام 1991 وانضمت إليه دولة فلسطين عام 2014، الدول باتخاذ الخطوات اللازمة لـ"الوقاية من الأمراض الوبائية والمتوطنة والمهنية والأمراض الأخرى وعلاجها ومكافحتها"، وأكدت هيئة الأمم المتحدة المسؤولة عن مراقبة هذه المعاهدة أن (إسرائيل) ملزمة باحترام هذه المعاهدة في الأراضي المحتلة، وحماية الحق في الصحة والحقوق الأخرى للسكان هناك.