جاء شهر شعبان فهو وقت السُقيا، بعدما زرع المسلمون البذر في رجب، وما هي إلا أيام تمضي وتهل علينا نسائم الخير وتدق الأفئدة فرحًا في استقبال شهر رمضان حيث المغفرة والرحمة والعتق من النار.
هنا يتعين على سواعدنا أن تبقى في الخير جارية، إذ ترفع الملائكة في شعبان الأعمال وتُعرض على الله تعالى (وهو بها أعلم)، ومع عظمة هذا الشهر فإن كثيرين قد يغفلون عنه ويؤخرون الخيرات من الصدقات، وغيرها إلى رمضان.
نسائم الخير هلت على الأنفس الطاهرة التي تعي فضل شهر شعبان إذ ترتوي به الأعمال الصالحة بالحسنات، يقول عميد كلية الدعوة الإسلامية د. شكري الطويل لصحيفة "فلسطين": "شعبان يُعد مقدمة بالنسبة لرمضان (...) فإن كانت المقدمة حسنة سيكون الموضوع حسنًا بإذن الله".
ولأهمية شعبان فإن الرسول صلى الله عليه وسلم خصه عن بقية الشهور باستثناء رمضان بالصيام، ويسترشد على ذلك بقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: "مَا رَأَيْتُ رَسُول اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّم اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إِلَّا رَمَضَانَ, وَمَا رَأَيْتُهُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْهُ صِيَامًا فِي شَعْبَانَ".
ويشير إلى أن هذا الحديث يرشد إلى فضل الصيام في شهر شعبان ويدلل على ذلك فعل النبي عليه أفضل الصلاة والسلام، إذ يريد أن يستعد المسلمون نفسيًّا وروحيًّا وبدنيًّا لرمضان حتى إذا دخل الشهر أصبح الصيام لهم يسيرًا بإذن الله؛ لأنهم قد تدربوا على الصيام واستعدوا له في شعبان.
ويتابع بما يؤكد فضل عبادة الصيام في شعبان، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْتُكَ تَصُومُ فِي شَعْبَانَ صَوْمًا لَا تَصُومُ فِي شَيْءٍ مِنَ الشُّهُورِ، إِلَّا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ؟ قَالَ: "ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ، وَشَهْرِ رَمَضَانَ، تُرْفَعُ فِيهِ أَعْمَالُ النَّاسِ، فَأُحِبُّ أَنْ لَا يُرْفَعَ لِي عَمَلٌ، إِلَّا وَأَنَا صَائِمٌ".
ويبين الطويل، أن حديث أسامة إضافة إلى حديث عائشة رضي الله عنهما، يؤكد أن النبي صلى الله عليه وسلم يرشدهم إلى أن هذا الشهر له مزية وفضل وتنبيه.
ويشير إلى أن الرسول عليه الصلاة والسلام بين أن شعبان شهر يغفل فيه الناس عن عبادة صيام التطوع وصلاة التطوع وصدقة التطوع؛ لأنه أتى بين شهرين عظيمين يعظهما الناس باعتبار شهر رجب من الأشهر الحُرم، وشهر رمضان معظمًا، وبذلك يغفلون عن شعبان فكأن الرسول صلى الله عليه وسلم يشير إلى أهمية العبادة حيث تكون غفلة الناس"، مضيفًا: "فإذا كان الناس غافلين عن أهمية هذا الشهر فإن الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام أكد الأهمية فكان يكثر من الصيام فيه".
لا تغفل
ويوضح الطويل أنه بناء على الحديث أن شعبان شهر فيه الغفلة، فإن الإنسان إن قصد وتقرب لله تعالى في الطاعات والعبادات في هذا الشهر فسيكون له أجر عظيم.
ويذكر مثالًا على ذلك، أن الصدقة في رمضان عظيمة الأجر لكن الكل منتبه للفضل في هذا الشهر المبارك، ولحاجة الفقير، لكن في شعبان نجد من أهل الفقر والاحتياج الكثير، ومع ذلك قليل من ينتبه إليهم، لأن المسلمين يعدون لشهر رمضان سواء الصدقة وغيرها من أفعال الخير، وبذلك يكون أجر الطاعة عظيمًا في شهر يغفل عنه الأكثر.
ويقول: "إن انتبهنا إلى فضل الصدقة والعمل الصالح في شعبان لا شك أننا نكون قد انتبهنا في لحظة يكون فيها الكثير من الناس غافلين عن هذه الطاعة".
ويسترشد على ذلك، بما ورد عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ"، وهذا يدلل على أن عبادة الله تعالى في أوقات الفتن تعدل الهجرة من مكة إلى المدينة؛ لأن الناس في الفتن تغفل عن الطاعات وتكون مشغولة في فتن الدنيا.
ترفع الأعمال
ويشير إلى أن هذا الشهر ترفع فيه الأعمال، ويسترشد على ذلك بقول النبي (صلى الله عليه وسلم): "فَأُحِبُّ أَنْ لَا يُرْفَعَ لِي عَمَلٌ، إِلَّا وَأَنَا صَائِمٌ".
وإن كانت هنالك خصومة وعداوة فسامح لوجه الله تعالى حتى تُرفع أعمالك، إذ يقول الطويل: "لا شك أن العداوة والشحناء من موانع رفع الأعمال لله عز وجل"، ويسترشد بما يؤكد على ذلك، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "تُعْرَضُ الْأَعْمَالُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ فَيُغْفَرُ لِمَنْ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا، إِلَّا رَجُلًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ يَقُولُ: دَعُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا"، ومن هذا يفهم أن استمرار العداوة والبغضاء بين الناس مانع من رفع الأعمال الصالحة.
ويضيف: "لذلك المسلمون الذين يريدون أن يستقبلوا رمضان استقبالًا طيبًا طاهرًا عليهم بطهارة القلوب والعلاقات، وأن يصطلحوا مع الناس، وأن يتوبوا إلى الله تعالى ويقلعوا عن كل الذنوب".
ويسترشد على ضرورة الإصلاح بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أخبِرُكُم بأفضَلَ من درجةِ الصِّيامِ والصَّلاةِ والصَّدَقَة؟"، قالوا: بَلَى يا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، قال: "إصلاحُ ذاتِ البَينِ، وفسادُ ذات البين الحالِقَة"، فهو دعوة للمتخاصمين أن يعودوا إلى محراب الإيمان، ولا شك أنه لا إيمان من دون محبة.
النصف من شعبان
ونجد بعض الناس يخصصون نهار النصف من شعبان بالصيام وليلته بالقيام دون الأيام الأخرى من شعبان، إذ يعلق الطويل على ذلك قائلًا: "ليس من هدي النبي عليه الصلاة والسلام تخصيص ليلة النصف من شعبان بقيام أو بصلاة أو صيام".
ويتابع: "من يعمل على التخصيص فهو بذلك يقوم بالبدع، ونحن علينا في العبادات أن نهتدي بفعل الرسول عليه الصلاة والسلام، بعيدًا عن البدع، فالعبادة تحديدًا لا يمكن ابتداعها من أنفسنا".
ويشير إلى أن شهر شعبان كله ميدان للصيام ويستثنى من ذلك من يصوم في يوم الشك بحيث يريد أن يسبق رمضان بصيام يوم، وهذا يدعي بأنه زيادة في العبادة وهو ما ليس في الدين، ولكن يستثنى من ذلك إنسان عليه قضاء واجب أو أنه معتاد صيام يومي الاثنين والخميس فجاء أحدهما قبل رمضان فلا بأس بذلك.
ويسترشد على ذلك، بما ورد عنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَقَدَّمُوا شَهْرَ رَمَضَانَ بِصِيَامِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، إِلَّا رَجُلًا كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ".
وحينما نتأمل الأجر العظيم في هذا الشهر ندرك أن سواعدنا لا بد أن تنهض دائمًا للخير، فالشهر يمضي سريعًا فلا تكُن من الغافلين وكن كما أحب الرسول عليه الصلاة والسلام.