فلسطين أون لاين

"يهدمون وسنبني.. مغادرة القدس لن يكون خيارًا"

تقرير المقدسي عبد اللطيف يُجبر على تأجيل حفل زفافه بعد هدم منزله بنفسه

...
صورة أرشيفية
القدس المحتلة- غزة/ فاطمة الزهراء العويني:

مشاعر الحسرة والألم تعتصر قلب المواطن المقدسي سيف عبد اللطيف وهو يشاهد الآليات التي أحضرها لهدم بيته، بعد أن اضطُر مسرعًا لإحضارها إذ لم تمهله قوات الاحتلال سوى سويعات وإلا فإنها ستحضر بآلياتها وجنودها لهدمه ما سيجعله يتحمل مرغمًا دفع تكلفة تفوق تكلفة البناء، فلم يكُن بوسعه أن يفكر بأي شيء بما في ذلك حفل زفافه المقرر عقده في وقت قريب.

وأجبرت سلطات الاحتلال عبد اللطيف على هدم منزله بنفسه، أول من أمس.

ووثقت مؤسسة الحق تصاعد ظاهرة الهدم الذاتي لبيوت الفلسطينيين لا سيَّما في مدينة القدس المحتلة، بواقع 49 مسكنًا في عام 2020م.

"تحويشة العمر"

ومنزل عبد اللطيف الواقع في حي "الصلعة" بمنطقة جبل المكبر كان على موعدٍ مع الهدم، الثلاثاء الماضي، بصورة مفاجئة إذ لم يترك وسيلة للحصول على ترخيص بناء إلا وباءت محاولاته بالفشل أمام تعنت سلطات الاحتلال، ما اضطره لبناء طابق واحد بغرض زفافه، ولكنه تفاجأ بحضور قوات الاحتلال إليه قبل قرابة الشهر وتسليمه إخطارًا بهدم المنزل.

ويقول: "لجأت لتوكيل محامي لمتابعة أمر الهدم في محاكم الاحتلال التي لم تنصفنا كمقدسيين أبدًا لكنني تفاجأتُ باتصال من شرطة الاحتلال صباح الثلاثاء يمهلني سويعات معدودة لهدم منزلي بنفسي وإلا فإنهم سيحضرون لهدمه".

ولم يفكر عبد اللطيف مطولًا، فالتردد أو التأجيل يعني أن تأتي شرطة الاحتلال لهدم المنزل ما سيكلفه تكاليف باهظة، قائلًا: "فسيأتي قرابة ألف شرطي طلبوا مني أن أدفع لكل واحد منهم 250 شيقلًا وأدفع أجرة الآليات التي ستقوم بالهدم وثمن محروقاتها!".

وبذلك كان الخيار الوحيد أمام عبد اللطيف الذي دفع "تحويشة العمر" من عمله كـ"كعامل بناء" (قرابة 90 ألف شيقل) لبناء المنزل، المسارعة لإحضار آليات لهدم المنزل على حسابه الشخصي، ولم تكُن تلك هو "الحسرة" الوحيدة التي أصابت قلبه بل رافقها "حسرة اضطراره لتأجيل زفافه" بعد أن أصبح بلا مأوى.

وطالت الحسرة قلب خطيبته المقدسية "ياسمين النتشة"، فهي أيضًا مقدسية وتعيش الأوضاع ذاتها، "وقد تفهمت ما حدث معي فوجدتُ منها الصبر والمواساة، وها أنا قد عدتُ لبيت أهلي حتى أستفيق من الصدمة وأستطيع أن أقف على قدمي من جديد".

الخروج لخارج القدس المحتلة هو هدف الاحتلال من هدم بيوت المواطنين -كما يرى عبد اللطيف- الذي يؤكد عزمه على الصمود في المدينة المحتلة مهما كلفه الأمر، قائلًا: "لن أخرج خارج القدس مهما كان، فليس أمامنا حلٌّ كمقدسيين سوى الصمود في ظل عدم وجود أي دعم رسمي فلسطيني أو عربي وإسلامي لنا".

ومضى بالقول: "يهدمون وسنبني.. ولن نخرج من منطقة جبل المكبر القريبة من المسجد الأقصى المبارك فلا يفصلنا عنه سوى دقائق معدودة بالسيارة".

ويؤكد عبد اللطيف أن وتيرة هدم الاحتلال للبيوت بالقدس أضحت متسارعة في الآونة الأخيرة فقد كانت قوات الاحتلال تمهل المواطنين سنوات بعد أمر الهدم وتكتفي بالغرامات الباهظة أما حاليًّا فهي لا تمهله سوى أيام وتقوم بالهدم.

وهذه ليست المرة الأولى التي يتم هدم بيوت لعائلة "سيف" فقد سبق أن هدمت قوات الاحتلال بيت جده ووالده وعمه في 2016م حيث يسكنون بالإيجار حاليًّا.

ومنذ احتلال مدينة القدس عام 1967، هدم الاحتلال أكثر من 1900 منزلًا، كما اتبع سياسة عدوانية عنصرية ممنهجة تجاه المقدسيين؛ بهدف إحكام السيطرة على القدس وتهويدها وتضييق الخناق على سكانها الأصليين؛ وذلك من خلال سلسلة من القرارات والإجراءات التعسفية والتي طالت جميع جوانب حياة المقدسيين اليومية.

وطبقًا لمعطيات نشرها المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، قبل أيام، فقد دمرت سلطات الاحتلال خلال عام 2020 الماضي 148 منزلًا ما تسبب بتشريد 450 فردًا في أحياء شرقي القدس.

وشدد المرصد على أن عمليات التدمير والترحيل غير القانوني للمدنيين في الأراضي المحتلة تنتهك اتفاقية جنيف الرابعة، وتشكل جريمة حرب بموجب البند الرابع من المادة الثامنة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الصادر بروما في 17 يوليو/تموز 1998، الذي نص على تعريف جريمة العدوان، وجاء فيه: "إلحاق تدمير واسع النطاق بالممتلكات والاستيلاء عليها دون أن تكون هناك ضرورة عسكرية تبرر ذلك وبالمخالفة للقانون وبطريقة عابثة".