يدرك الأسرى المضربون عن الطعام أن زيارة الرئيس الأمريكي ترامب إلى المنطقة فرصة تاريخية للضغط على الحكومة الإسرائيلية، وعلى وزير أمنها الداخلي جلعاد أردان، وعلى مدير إدارة السجون، للرضوخ لمطالب الأسرى، فاستمرار الإضراب ليومه الخامس والثلاثين يخطف أبصار الصحافة ووسائل الإعلام عن زيارة الرئيس الأمريكي، ويحرف الزيارة المرتبة جيدًا لـ(إسرائيل) عن أهدافها، ويأخذها بعيدًا، هنالك حيث المواجهات على مئات الحواجز الإسرائيلية، وطرق المستوطنين، وإضراب الأسرى يسلط الضوء على قضية سياسية وإنسانية تتعمد (إسرائيل) إخفاءها، وطيها تحت السجادة الحمراء التي سيدوس عليها الرئيس ترامب.
ويدرك الإسرائيليون أن الأسرى المضربين عن الطعام يعرفون هذه الحقائق، وأن هذ فرصتهم التاريخية لتسليط الضوء على القضية الفلسطينية من خلال قضية الأسرى، وهم على استعداد للموت دون تحقيق أهداف شعبهم السياسية، لذلك ستحرص الحكومة الإسرائيلية في الساعات الأخيرة على إنهاء الإضراب بكل ثمن، وبشتى السبل، لذلك جاء تكليف نداف أرغومان رئيس جهاز الأمن الداخلي الشاباك، وقادة أذرع الأمن الإسرائيلي في الضفة الغربية، للتفاوض مع نظرائهم الفلسطينيين أمثال ماجد فرج وحسين الشيخ وزياد هب الريح، بهدف إنهاء إضراب الأسرى من خلال قادة الأجهزة الأمنية المنسقين، وليس من خلال قادة الإضراب المقاومين.
ويدرك الشعب الفلسطيني أنه قادر على إجبار (إسرائيل) على التنازل للأسرى، ولكن (إسرائيل) لا تريد أن يكون التنازل في ساحة المعركة، ولقادة الإضراب، كي لا يشكل ذلك سابقة تفاوضية، تشجع الفلسطينيين على نهج المواجهة، وانتزاع الانتصار بقوة الروح وتضحية الجسد، لذلك تتعمد (إسرائيل) عدم تقديم التنازل للأسرى مباشرة، وإنما ستستجيب لمطالب الأسرى من خلال الأجهزة الأمنية، كي توحي بأن (إسرائيل) لا تهزم، ولا تنكسر، وإنما تتجاوب مع أسلوب الرجاء والتوسل، وأن التفاوض هو الطريق الوحيد لتحسين الأحوال المعيشية للفلسطينيين، لذلك فهي تتنظر تحرك محمود عباس لتستجيب لندائه، وتدعم نهجه السياسي.
الأسرى الذين هرستهم التجربة، ويرفضون هذا الأسلوب الرخيص من التسويق لبعض المسؤولين، ويعرفون أن ظهرهم يستند إلى حراك الشارع الفلسطيني، الذي تجاوز قادة الأجهزة الأمنية، ويعرفون أن أمعاءهم الخاوية انتصرت على السجان وعلى من وضع يده في يد السجان، لذلك لن يسلموا رقابهم ثانية لمن خذلهم، ولن يوقفوا إضرابهم استجابة لنداء أو مناشدة من رئيس، وهم يصرون على الانتصار، وأن يتم الاتفاق من خلالهم مباشرة، وهم يدركون أن لعبة تعليق الإضراب مهزلة تفاوضية لن تمر على عذاباتهم، لذلك فعلى اللجنة الإعلامية للإضراب، وهي موضع ثقة الأسرى المضربين، أن تنأى بنفسها عن التساوق مع أي مفاوضات بعيدة عن قضبان السجن، وأن تصر على موقفها الرجولي التي تتبناه حتى هذه اللحظة، والقائل بأن مرجعية القرار في هذه الساعات الحاسمة هم قادة الإضراب خلف الأسوار.
وما أعظم هذا الشعب الذي تتكسر على إرادته عنجهية (إسرائيل)! ما أعظم هذا الشعب الذي يؤكد في كل لحظة أنه خزان ثورة، وأن النصر للأسرى، الذين يرسمون بصمودهم الأسطوري ملامح المرحلة السياسية القادمة، ويحددون أنجع الأساليب في التعامل مع المحتلين الصهاينة.