سجلت حركة حماس نجاحًا مشهودًا وهي تضع بصمتها الديمقراطية على أعتاب الانتخابات العامة الفلسطينية، وتختار زعيمها في قطاع غزة بهدوءٍ في ظل منافسة شريفة، وتُجرِي انتخاباتها الداخلية بمشاركة عشرات الألوف من كوادرها، دون أن نشهد إطلاق رصاصة واحدة، أو اشتباكات عناصرها، أو تلاسُنًا بين قياداتها وأقطابها الفكرية والسياسية المختلفة.
التركيز الإعلامي الذي شهدناه على انتخابات حماس الداخلية يشير إلى قوة تأثيرها في الشارع الفلسطيني، وتعاظُمِ حضورها السياسي في المشهد الإقليمي، حيث أضحت ركنًا أصيلًا من أركان البيت الفلسطيني، تتبوأ صدارة المشروع الوطني، وتشارك العديد من القوى الفلسطينية الفاعلة مسيرتها نحو تحرير فلسطين.
وبعد أن طوت حماس صفحة انتخاباتها الداخلية، بات من الواضح أن زعيم حماس في غزة يحيى السنوار هو الأقوى لقيادة الحركة في هذه المرحلة، حيث نجح الرجل رغم التنافس الشديد في انتزاع دورة ثانية من الحُكم، بما يساعده في استكمال تنفيذ خططه السابقة، وتحقيق رؤيته التنظيمية والوطنية للحركة في الأربع سنوات المقبلة.
لقد نجح السنوار الذي يتّسم بالجرأة والإقدام في تحقيق إنجازات مشهود لها خلال الدورة الماضية من قيادته الحركة، فقد نجح الرجل في تعزيز علاقة حماس السياسية والعسكرية مع القوى الفلسطينية في قطاع غزة، وأحدث اختراقًا مهمًا في علاقة حماس السياسية والاقتصادية مع النظام المصري، بما أسهم في التخفيف من الحصار الصهيوني الخانق على غزة، كما سجّل إنجازًا مهمًا على صعيد تطوير القدرات العسكرية والأمنية للمقاومة بما ساعدها في ممارسة الضغوط الميدانية على حكومة الاحتلال، ودفعها إلى التزام تفاهمات متبادلة بوساطة قطرية انتزعت حماس بموجبها موافقة الاحتلال على استمرار تدفّق المنحة القطرية لغزة بما أسهم في تفكيك العديد من الأزمات التي واجهتها غزة نتيجة الحصار.
ورغم النجاحات التي حققها السنوار خلال الدورة الماضية، فقد بدا التنافس شديدًا في المشهد الانتخابي، حيث أدى تكرار جولات الإعادة لاختيار زعيم الحركة إلى حدوث بلبلة إعلامية ألقت بظلالها على الصف التنظيمي داخل الحركة، قبل أن تتّضح النتيجة في اليوم التالي بفوز السنوار وترحيب جميع قيادات الحركة وكوادرها بالنتيجة، وقيام السنوار بلفتة طيّبة بتنظيم زيارة عاجلة إلى بيت القيادي في الحركة نزار عوض الله الذي كان ينافسه في الانتخابات، في مشهد أخوي أشار إلى تواضُع السنوار، وأكد وحدة الحركة وتماسُك صفّها التنظيمي الداخلي.
واليوم مع تسلّم السنوار الراية، وبدء دورته الجديدة لقيادة حماس تتعاظم عليه المسؤوليات التنظيمية والوطنية، حيث يُنتَظر منه المبادرة إلى المساواة في احتضان الجميع، وتمتين الصف الداخلي، فهو الحاضنة الأولى لقيادة الحركة، فالجميع ينتظر منه العمل من موقعه القيادي على معالجة المشكلات التي تواجه الحركة داخليًا وخارجيًا.
نأمل أن يعكف السنوار مع بداية دورته القيادية الجديدة على تفكيك الأزمات الداخلية التي تواجه حماس، بدءًا من تعزيز الدور الوطني والمجتمعي للمؤسسات التربوية والدعوية وفي مقدمتها المساجد ودور العبادة، مرورًا بالالتقاء بأبناء الصف التنظيمي للحركة، ليستمع منهم برحابة صدر ويتحدث إليهم بعقل مفتوح وعاطفة جيّاشة، كما ندعوه إلى تشكيل مجلس استشاري لقيادة الحركة يضم في صفوفه نخبة من أصحاب الرأي والكلمة المحبّين للمقاومة وفلسطين.
وعلى الصعيد الوطني فإن رسالتنا هي داعمة ومؤازِرة للسنوار وقيادة حماس في المرحلة المقبلة، فنحن جميعًا ندعم الاستمرار في الحوار الوطني وصولًا إلى إتمام الوحدة الفلسطينية وإنهاء الانقسام على مبدأ الشراكة الوطنية لا الإقصاء، وتوحيد المؤسسات في الضفة وغزة دون هضمٍ للحقوق الوظيفية أو القانونية، وهو الأمر الذي تعاظمت مؤشراته مع قبول حماس لجميع اشتراطات عباس قبيل الوصول إلى يوم الانتخابات، وفي مقدمتها ترحيل كل إفرازات الانقسام إلى حكومة مُقبِلة قد تكون نسخة مكرّرة من حكومة الوفاق الوطني التي تشكلت بُعيد اتفاق الشاطئ.