ترك وراءه جميع المغريات المادية التي يمكن أن يحصل عليها رجل يحمل ذات الشهادة العلمية التي حصل عليها من الخارج، ليعود للضفة الغربية في وقت "حساس" شهد نشأة السلطة الفلسطينية، ويقود "حماس" بالضفة بالخفاء، حتى إن كوادر الحركة تفاجؤوا بمنصبه القيادي حين أقدمت قوات الاحتلال على اعتقاله، هذا الرجل هو الراحل البروفيسور أكرم الخروبي.
وتوفي الخروبي "67 عامًا" الجمعة الماضية، بعد صراع مع مرض السرطان، وشُيّع ودُفن بمدينة البيرة، بعد أن قضى حياته مناضلًا ينشد العودة إلى قريته المهجّرة.
مرحلة حساسة
"مرحلة حساسة بكل معنى الكلمة، تلك الفترة التي حزم فيها الخروبي أمتعته عائدًا من الولايات المتحدة الأمريكية للضفة الغربية"، كما يصفها الكاتب ساري عرابي.
وترافقت عودة الخروبي مع نشأة السلطة، وتعرض "حماس" لعمليات قمع ممنهجة على يدها، إذ حدثت أحداث جسيمة منها استشهاد المهندس يحيى عياش واغتيال المهندس محيي الدين الشريف والأخوين عادل وعماد عوض الله، وفقًا لعرابي.
يذكر أن الخروبي ابن قرية لفتا المهجرة قضاء القدس، كان أحد اللاجئين لمدينة البيرة، وحصل على درجة بروفيسور من الولايات المتحدة، وشغل منصب عميد كلية المهن الطبية في جامعة القدس.
واعتقل الخروبي لدى الاحتلال لمدة عشر سنوات، وكان قائد "حماس" في الضفة الغربية المحتلة.
وكان اغتيال الأخويْن عوض الله –كما بين عرابي- نقطة الكشف عن دور الخروبي التنظيمي، إذ وضع الاحتلال يده على مراسلات تنظيمية عرف منها أنه "قائد حماس بالضفة" فتوجه فورًا لاعتقاله عام 1999م وحكم بالسجن 12 عامًا.
الخروبي كان معروفًا بالضفة فقط بعمله كأستاذ بالكيمياء الحيوية، ولم يكن يعرف عنه أي انتماء لحماس أو قرب من منهجها، رغم أنه أحد مؤسسي العمل الإسلامي بالولايات المتحدة الأمريكية وبُني على يده العديد من المرافق الإسلامية هناك، فكان لديه نشاط بارز في الدعوة إلى الله، وفقًا لعرابي.
يقول عرابي: "كان الخروبي شخصية متواضعة العمل بالخفاء، وفي الوقت ذاته ذو شخصية قيادية قادرة على تفعيل وتوظيف الكفاءات بصمت، وذو رؤية سياسية دقيقة، ورغم نباغته فإنه كان يستشير رفاقه في كل ما يعرض له من أمور".
وبعد خروجه من سجون الاحتلال عانى الخروبي مرض السرطان، فاتسم بالصبر على المرض ولم يقصر مع رفاقه في مناسباتهم الاجتماعية، وظل صامتًا وعازفًا عن الحديث عن دوره السياسي القيادي وتاريخه النضالي والوطني حتى وفاته.
أما النائب عن "حماس" بالتشريعي إبراهيم أبو سالم، فقال عن الخروبي: "خسرت فلسطين بوفاته علمًا من الأعلام وعالمًا من العلماء، مهما تكلمنا لا يمكن أن نفيه حقه لا من قريب ولا من بعيد".
وأشار إلى أن الخروبي الذي كان ممثلا للطلبة الفلسطينيين في جامعته في الولايات المتحدة الأمريكية، وكان متفوقًا جدًّا في دراسته، حتى إن الجامعة عرضت عليه أن يعمل عالمًا متفرغًا فيها، لكنه رفض ذلك لأن قلبه معلق بأرض الرباط.
وقال أبو سالم: "عاد الخروبي إلى أرض فلسطين ليعمل أستاذًا في جامعة القدس ثم عميدًا لكلية المهن الطلبية بالجامعة سنين طويلة".
وأضاف: "فوجئت فلسطين في أواخر التسعينيات باعتقال الاحتلال له على أنه رئيس المكتب السياسي لحماس بالضفة الغربية، وكان الأمير العام لـ"حماس" في سجون الاحتلال لعدة دورات، فكان نعم الأخ والصديق والأب والخادم لإخوانه".
وتابع: "كان يطبخ لإخوانه وينظف دورات المياه رغم أنه معفيٌ من ذلك بسبب كبر سنه، التقيتُ به في سجن النقب، وكنت أعمل تحت إدارته في الهيئة الإدارية لـ"حماس"، فوجدته رجلًا عاملًا صامتًا متواضعًا لا يحب الشهرة ولا الأضواء".
والخروبي كان –وفقًا لأبو سالم- معطاءً صامدًا، عمل عملًا عجيبًا، لم يتفوه بكلمة مسيئة للناس، فكانت أخلاقه عالية، قائلًا: "ثم اقتحم المرض جسده ونهش عظامه وأكل لحمه فكان نعم الصابر والمحتسب".
وأضاف: "أذكر أنني ذهبتُ إلى زيارته وهو مريض، فكان يقوم بضيافتنا بنفسه وهو صابر على المرض حتى مات مبطونًا شهيدًا، بعد أن كان يخصص نصف راتبه للفقراء".