فلسطين أون لاين

في ذكرى ميلادك أهدي لك ساعات من عمري

...
بهية النتشة- زوجة الأسير ماهر الهشلمون

قررت أن أهدي لك ساعات من عمري وجزءًا من روحي عندما قررت أن أهدي لك هذه الرسمة، أردت أن أقول لك كل عام وأنت بخير بعدد الساعات التي قضيتها في رسم هذه اللوحة، وكنت أحسبها لتعرف حجم هذا الحب في قلبي، وعدد الساعات التي مضت وأنا أفكر فيك، والأيام التي نمت فيها بعد سهر أضغط على يدي المتعبة وأحاول تسكين مفاصلي ورقبتي التي آلمتني بعد الانحناء والتركيز، احتجت لإتمام هذه الهدية عشر ساعات، كنت سعيدة وأنا أبذل لك من روحي وطاقة جسدي ما بذلت، سعيدة بالساعات التي كنت أمضيها معك رغم غيابك، خاصة أنك كنت تعاني آلامًا شديدة في تلك الأيام بسبب كورونا اللعينة، وتقصير المقصرين، وخذلان المتخاذلين، وانقطاع أخبار الصفقات واللقاءات والمباحثات، وظلم السجان الجائر، وبعدي عنك، متيقنة أنا أنك تمنيت لو أنني بجانبك أعد لك شوربة ساخنة أو آتيك بحبة دوائك وأنت بالسرير، فالمريض يحتاج إلى دفء عائلته حوله، يحتاج مع حبة الدواء لأرواح دافئة تحفه وتسكن ألم روحه وجسده، في كل مرة كنت تشكو لي شدة المرض كنت أرغب أن أخفف عنك بإخبارك عما أحضر لك، قاومت نفسي كثيرًا ألا أخبرك، خاصة أنك كنت في أشد الحاجة لما يخفف عنك ألم السجن والمرض والبعد والقهر.

اخترت أن أرسمك مع ما أحببت أكثر مني، فرسمتك مع معشوقتك الأولى التي لم أغَر منها يومًا، أو أفكر أن ألومك على تركي لأجلها، وإني أذكر تمامًا أنني في أول أيام تلقي خبر العملية التي قمت بها قلت: "لن أدعه يأخذ الأجر وحده في هذا، كنا شركاء مدة ثمانية أعوام في كل شيء، وعلى هذا سنبقى"، رسمت الطريق الذي تهفو نفسك دائمًا أن تسير به نحوها، نحو القدس، ممر العشق الذي لأجله تركتني، وقررت أن تترك لأجله كل ما تعلقت به: حبيبتك وأم أولادك، وأولادك الصغار الذين هم بأمس الحاجة إليك، ووالديك اللذين لن يعوضهما شيء في الدنيا عن غيابك عنهما، وأسفارك ونجاحاتك، وأحلامك وطموحاتك التي كانت لا تنتهي، فقد كان لك في كل يوم حلم وغاية، وفي كل ساعة هدف وأمنية، تطالع المستقبل الباهر من النجاحات المتتالية على كل الأصعدة.

مع كل ضربة فرشاة كنت أبتسم، أتخيل رد فعلك على هدية كهذه، أنت والقدس معًا في لوحة، لوحة وضعت فيها روحي لأجلك، جزء مني هناك، جزء من أيام عمري أيضًا، هدية كهذه لن تقدر يومًا بثمن، لا لأنها متقنة حد الاحتراف، ولا لأن من رسمها فنان معروف، بل لأن من رسمها هو قلب محب، محب حقًّا، قلب صابر( نحسبه كذلك عند الله) ذاق مرارة الصبر ولوعة الفراق، قلب قرر بعدما عرفه كثير من الناس أن ينسحب من عالم التواصل والإعلام، ليكون لك وحدك، قلب اعتزل العالم وسكن قلب ماهر، ينتظر يوم الفرج القريب الذي لم نفقد الأمل في قربه يومًا، كنت أتخيل بعد حريتك أين ستقرر تعليقها، في بيتنا أم في شركتك التي دائمًا تحلم بها، سيكون لها بعد الحرية ذكرى جميلة، أعدك بذلك.

أما ملامحك في هذه اللوحة فقد اخترتها بعناية، تأملت الكثير من صورك لأختار،  فاخترت ألا تكون مبتسمًا، رغم أن ابتسامتك الساحرة طالما أسرتني، وأسرت كل من التقاك، فأنت ماهر المبتسم بطبعك، هي صفة غالبة فيك، عُرفت بها واشتهرت، أحبك كل من شاهد هذه الابتسامة القوية التي لا تهزم، لم أستطع أن أجعلك مبتسمًا، فقد كنت في لوحتي هذه تطالع بترقب، تطالع الأفق البعيد تبحث عن نور في سماء القدس، تنتظر من ينتشلك من سجنك البعيد، وغربتك عن عالم الشهود، ومرضك بكوفيد ١٩، وظلم السجان وتخاذل المتخاذلين، رسمتك مترقبًا حالمًا تنتظر من ينهي هذا العذاب الذي أصابك منذ سبع سنين، عيناك تتساءلان: ألن يأتي صلاح الدين؟! أين هو؟! ما الذي أخرك كل هذا يا أمير؟! للحق صولات وجولات، يعارك الباطل في كر وفر وسجال، ولكننا نعرف أن الحق منتصر، مهما طال زمن الصبر والتصبر، والانتظار والتحمل، فأنتم الأسرى أنتم الحق، الحق الظاهر الساطع الذي لا ينطفئ، أما آن لكم أن تنصروهم فننتصر؟!

اللوحة الفنية.jpg