كان الأمر صعبًا على قلب سيد الخلق (صلى الله عليه وسلم) حينما فقد زوجه الحنون خديجة (رضي الله عنها) التي أول من صدقت دعوته من نساء العالمين، وشدت من أزره وبشرته بعدما نزل عليه جبريل (عليه السلام) بأن الله (تعالى) لن يخزيه أبدًا.
لن يصلوا إليك
وفي العام ذاته قبل وفاة زوجه كان قد فقد عمه أبا طالب الذي تربى في أحضانه بعد وفاة جده عبد المطلب، وهو نفسه الذي قال لرسول الله بعدما اجتمع عليه أهل مكة وهددوه إن لم يكف عن الدعوة إلى الله (تعالى): "امضِ على أمرك، فوالله لا أسلمك أبدًا"، حينما وجد من ابن أخيه قوة العزم لأجل هذه الدعوة وهو يقول عليه (الصلاة والسلام): "والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري ما تركت هذا الأمر حتى يُظهره الله، أو أهلك في طلبه".
هو عمه الذي دعا أقاربه إلى نصرته، فأجاب بنو هاشم وبنو المطلب هذه الدعوة لنصرته، وما زالت أبيات شعره تنشد: "والله لن يصلوا إليك بجمعهم ... حتى أوسد في التراب دفينا، فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة ... وأبشر وقَرَّ بذاك منك عيونا".
دعوة الطائف
والأمر لم يقتصر على هذا الفقد؛ فكان الوجع حاضرًا في قلبه حينما مشى على قدميه مسافات طويلة من مكة إلى الطائف حتى ينشر الدعوة، ولما وصل إليها وبدأ يدعوهم إلى الله (تعالى) إذا بهم يغرون به سفهاءهم فآذوه وألقوه بالحجارة حتى أدموا قدميه، وألجئوه إلى خارج الطائف، وعاد إلى مكة وهو موجوع.
لم يكلف الله (تعالى) المصطفى (صلى الله عليه وسلم) فوق طاقته، فإنه أرحم عليه من العالمين، فبعد كل ذلك جاء العوض الجميل، جاءت رحلة السماء (الإسراء والمعرج)، إذ يقول في كتابه العزيز: "سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ" (الإسراء:1).
عن هذه الرحلة السماوية يقول عميد كلية الشريعة والقانون في الجامعة الإسلامية أ.د. تيسير إبراهيم لصحيفة "فلسطين": "الإسراء والمعراج من أهم أحداث السيرة لاعتبارات عديدة؛ فقد كانت هذه الرحلة إيناسًا للنبي (صلى الله عليه وسلم) بعدما نالت منه قريشٌ ما لم تكن تستطيع أن تنال منه قبل وفاه ناصريه عمه أبي طالب، وزوجته خديجة، اللذين كانا يدافعان عنه، وكذلك بعد الرحلة إلى الطائف التي لقي فيها ما لقي من الأذى، فجاءت الإسراء والمعراج تسلية وإيناسًا له (عليه الصلاة والسلام)".
بشرى النصر والعون
هذا الأمر الذي ينبض له القلب لما فيه من رحمة يحمل البشرى، إذ يوضح تيسير أن (الإسراء والمعراج) تحمل بشرى النصر والعون للمؤمنين بعد سني المحنة وأوقات الشدة والابتلاء، فإن سنة الله (تعالى) الجارية أن النصر والفرج والتمكين تتبع الابتلاء.
ويسترشد: "حينما سأل رجلٌ الإمام الشافعي (رحمه الله تعالى)، فقال: "يا أبا عبد الله، أيُّهما أفضل للرجل: أن يمكن أو أن يبتلى؟"، فقال الشافعي: (لا يمكَّن حتى يبتلى، فإن الله ابتلى نوحاً، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمداً (صلوات الله وسلامه عليهم)، فلما صبروا مكنهم)".
وهذه الرحلة هي مؤنسة لكل مسلم، ولأهل غزة نصيب كبير من ذلك، حيث الحصار والحروب والإغلاق؛ فمهما عظم الابتلاء فسيكون الفرج والتمكين، إذ يقول تيسير: "وحال أهل غزة أنهم أحيطوا بالابتلاءات من كل جهة ومن كل نوع، ويغلب على الظن فهمًا لسنن الله (تعالى) المطردة أن فرجًا قريبًا سيوسع الله به عليهم".
عندما نتأمل في (الإسراء والمعراج) نجد أنها رسالة سماوية لأهل غزة بأنه مهما أغلقت أبواب الأرض فباب السماء لا يغلق، ومهما طالت الشدة والابتلاء فلا بد أن يعقبهما الفرج، إذ يقول (تعالى): "فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا" (الشرح: 5).