لا يبتعد عن الحقيقة أبدا، بل هو داخلها، حين يقول نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، موسى أبو مرزوق: إن القضية الفلسطينية تعيش اليوم حالة استثنائية وحرجة؛ حيث الانصراف العربي والإقليمي عنها من جهة، والتآمر الدولي من جهة أخرى"، لافتاً إلى أن وثيقة حماس تعبر عن رؤية الحركة لفلسفة الصراع.
الحقيقة التي نكاد نلمسها بأيدينا هو انصراف الأنظمة العربية عن القضية الفلسطينية التي طال عمرها لمعالجة همومها الداخلية، وقضاياها المختلفة، ومن ثمة عادت القضية الفلسطينية إلى الخلف.
إنك إذا استعرضت الدول العربية المختلفة دولة دولة تجد أن مقاربة القضية الفلسطينية قد تراجعت في العواصم العربية، بعد تداعيات ما سمي يوما بالربيع العربي، الذي تحول بفعل القوى المضادة والعميقة إلى خريف عربي، تخلّقت عنه مشاكل قطرية مختلفة في تونس، وليبيا، ومصر، وسوريا، واليمن، ولم تعد القضية الفلسطينية تقع في المقام الأول لاهتمامات هذه الدول، رغم الكلام الإعلامي عن مركزية القضية الفلسطينية.
نعم، تعيش القضية الفلسطينية حالة استثنائية وحرجة كما يقول أبو مرزوق، وهي في الوقت نفسه تتعرض إلى محاولة التصفية، بما يحقق مصالح دولة الاحتلال، ورؤيتها للحل.
إن ما يقوله أبو مرزوق من أننا "لا نطرح أنفسنا بديلًا عن أحد، ونؤمن بالشراكة الوطنية والعمل المشترك".
هو كلام في غاية الأهمية، ويجدر بفتح والسلطة التعامل مع حماس من باب الشراكة الوطنية، لاستعادة المكانة المحترمة للقضية الفلسطينية في أجندة الدول العربية، وحتى لا يقع تطبيع عربي مع دولة العدو دون تحقيق الانسحاب الذي ذكرته المبادرة العربية. اليوم وفي ظل حكومة ترامب والقمة في المملكة, هناك من يتحدث عن ناتو عربي إسلامي تكون (إسرائيل) شريكة فيه، وأن يحدث التطبيع العربي معها مقابل تخفيف الاستيطان كما تدعو لذلك دولة العدو.
الدول العربية تريد أن ترى الفلسطينيين وقد جمعتهم المصالحة الوطنية، وتناسوا خلافاتهم، وتوحدوا على مواجهة المؤامرات التي تحاك ضد قضيتهم، وفي نظري أن أسس المصالحة ما زالت قائمة في اتفاقات القاهرة والدوحة والشاطئ .
لقد راهنت السلطة الفلسطينية سنوات طويلة على ما يسمى حل الدولتين، ولكنها الآن أمام طروحات إسرائيلية وربما أميركية بديلة عن حل الدولتين، حيث لا يؤمن اليمين الإسرائيلي بقيام دولة فلسطينية، وجل ما يطرحه الليكود هو حكم ذاتي للسكان في الضفة، وسلام اقتصادي إقليمي، يكون التطبيع مع الدول العربية مقدمة له، وهو ما يرفضه الفلسطينيون، وترفضه فيما أحسب الدول العربية، التي تتمسك بالمبادرة العربية أساسا للحل.