تنهي حركة حماس هذه الأيام المرحلة الأولى من انتخاباتها الداخلية؛ لانتخاب دورة قيادية جديدة (2021-2024)، ويظهر هذه المرة أن الانتخابات تحظى باهتمام تخطى حدود أطرها الداخلية إلى المستوى العام، ولا يعني ذلك أنها لم تعد سرية، بل هو تفسير لحال مريدي الحركة من غير أبنائها، وانعكاس لتقارب مجتمعي أكبر، وقد يكون المفاجئ هو التظاهر بعكس ذلك، فالاهتمام العام جوهره تقدير عام.
حماس بانتخاباتها تميز نفسها عن الآخرين بمن فيهم الحركات الإسلامية الأخرى، وأنها ليست تقليدية ولا تكرر الآخرين، ويعود الفضل في ذلك إلى كونها حركة شورية ذات مرجعيات تساهم في رسم السياسات والتوجهات، فهي اليوم من أكثر التنظيمات الفلسطينية حضورًا في المشهد السياسي العربي والدولي، ويبرز ذلك، حديثًا وضمن هذا العام، في الضمانات الدولية التي تقدمت لديها في مسألة الانتخابات العامة، واللقاء الذي جمع رئيس الحركة إسماعيل هنية وقيادتها في الخارج، بسفراء دول أجنبية في الدوحة الأسبوع الماضي، وشواهد أخرى غير معلنة، تقول إننا أمام حماس جديدة أكثر صلابة وأكثر براغماتية.
هذا التطور الحاصل في مكانة حماس، دافعه التزامها بمبدأ التداول على القيادة وممارسة الديمقراطية الداخلية، وعدم إخضاع ذلك لأي متغير أو ظروف تحول دون ذلك، فإجراء الانتخابات في موعدها هذه المرة وهي على أعتاب تحد سياسي بتهديدات قد تبدو أكبر من عام 2006، يجعل لدى حماس سجلًّا حافلًا في مجال تجديد نفسها.
هذا النشوء الذي نمت عليه الحركة داخليًّا ساهم في أن تكون حالة نقدية للأداء الفلسطيني الرسمي، إذ تبدو انتخاباتها الداخلية شكلًا من أشكال النقد الذاتي الذي يعد مقدمة لأي معالجات سياسية أو إدارية، والأهم أنها دليل على قوة التماسك الداخلي للحركة، وأنها مع كل دورة قيادية، تخرج أكثر استعدادًا لمعركتها مع الاحتلال، لذلك يراقب الإقليم هذه الانتخابات باهتمام وحرص كبيرين؛ لأنها تجيبه عن توجهات حماس في المرحلة المقبلة.
إن التزام حماس إجراءَ انتخاباتها لا يمكن تجاهله كمؤشر على جديتها في خوض أي انتخابات عامة بشجاعة، ورغبتها في نقل هذه التجربة إلى النظام السياسي الرسمي وفق أسس ديمقراطية متينة، وإن واحدة من أسباب خشية الآخرين من ذلك، تعود إلى معرفتهم بقدرة الحركة على الحشد والتوجيه وإدارة فوزها، وهذا أساسه الممارسة الداخلية، فالديمقراطية داخل الحركة ليست مجرد قواعد أو أنظمة انتخابية ولا مجرد ثقافة والتزام قانون فقط ولا نظام للحكم والتسيد، بل "إعداد" بالمفهوم التنظيمي الخاص، وهي انعكاس لمجتمع واعٍ وعقلاني نقدي ومسؤول داخل الحركة، وجدير بالثقة في استحقاقات أعم وأكبر، ويمكن الرهان عليه، وهذا يعني بتعبير أشمل أن حماس حركة أمينة على قيم الديمقراطية داخل مجتمعنا.
لذلك وصف مركز كارنيغي للشرق الأوسط، في دراسة له عن الحركة بعام 2018، بأن إدراك ديناميكيات حماس الداخلية، يساعد في تبيان كيف أن أفعالها تعكس خياراتها الاستراتيجية؛ ما يُتيح فهمًا أفضل لطريقة تفاعل هذه الحركة مع الوقائع السياسية، وتقديمها للتنازلات واستثمارها من أجل زيادة مكاسبها إلى أقصى حد، وهذا الأمر يُتيح للمراقبين إدراك كيف تُحقق حماس أهدافها، وتدير التحديات، وتحافظ على بقائها، على الرغم من العوائق الهائلة التي اعترضتها في الأعوام الأخيرة.
إن الرصيد الحقيقي لأي انتخابات هو في ما تضيفه إلى مشروعنا الوطني ولا تقضمه، ويصحح آثار تراجع كفاح الآخرين والهشاشة التنظيمية لهم، ولذلك أصبح تقليدًا القول إن حماس شكلت إضافة نوعية للحركة الوطنية، لأن 33 عامًا من عمرها، وبما أضافته إلى حركة التاريخ، يصلح معها القول إن قوتنا في عافيتها.