وجَّه رئيس لجنة الانتخابات المركزية الدكتور حنا ناصر رسالة إلى النائب العام بالضفة أكرم الخطيب، مطالبا بإطلاع اللجنة على طبيعة الإجراءات التي اتخذت في سياق الجهود المبذولة للكشف عن الأشخاص المتورطين في الجريمة الانتخابية المتعلقة باختراق قواعد البيانات والتلاعب بها وتزويرها الشهر الماضي.
حيث كُشف سابقا عن اختراق أشخاص سجلات الناخبين والعبث ببياناتهم ونقل أماكن اقتراعهم لأماكن مختلفة بهدف التأثير فيهم ومنع إمكانية وصولهم إلى مراكز اقتراع قريبة، الأمر الذي أثار حفيظة الناخبين المتضررين، الذين طالبوا لجنة الانتخابات المركزية بضرورة معالجة هذه الإشكالية ومنع أي جهة من الوصول لهذه السجلات وحماية بياناتهم الشخصية.
وهذا ما جلب موجة من الغضب في الشارع الفلسطيني سواء من الفصائل والمنظمات الحقوقية وغيرهم، نتيجة الخشية من إمكانية التزوير والخوف من تكرار هذا السيناريو، الأمر الذي سيرتب أثارا كارثية، وقد ظهر أن الاستهداف لقواعد البيانات والتلاعب بها جاء من أفراد يتبعون "للأجهزة الأمنية" في الضفة بتوجيه من قيادات مركزية.
وهذا ما يثير القلق بشأن جدوى هذه الشكوى في ظل خضوع منظومة العدالة بكاملها للسلطة التنفيذية، التي أصبحت الآمر الناهي في كل شيء نتيجة حل المجلس التشريعي وحل مجلس القضاء الأعلى واستمرار الرئيس بإصدار قرارات بقانون هدمت التشريعات والقوانين وأعادت إنتاج قوانين مقيفة وفق أجندة ومصالح الرئيس وحزبه الحاكم.
وموضوعيا فإننا جميعا مع تحريك الشكوى، لكن لا أحد يثق في إجراءات النيابة العامة بالضفة التي تنفذ توجيهات عليا ولا تحتكم للقانون، فالنيابة ذاتها وجهت سابقا تهما لمقاومين ولأسرى محررين، ولفَّقت تهمًا مختلفة في سياق التزام محددات المستوى السياسي والقرارات العليا بعيدا عن صحيح القانون.
وهذا ما يبين مضي كل هذه المدة دون أن تصدر النيابة العامة أي تصريح بشأن الإجراءات المتخذة خصوصا أن الموضوع يتعلق بقضية وطنية، ومن الواجب أن تُطلَع لجنة الانتخابات والمنظمات الحقوقية والفصائل الفلسطينية على مسار التحقيق، وكذلك فإن شعبنا من حقه أن يطلع على مسار التحقيقات بكاملها.
لكنني ومنذ اللحظة الأولى كما غيري، أنظر بعين الريبة لهذه التحقيقات التي وإن حدثت ستكون إجراءات شكلية لا ترقى للمستوى المطلوب، الذي يفرض إجراء تحقيقات واسعة تشمل البحث والتحري والاستقصاء وتعقب الجناة وتقديمهم للعدالة لينالوا الجزاء المطلوب ليكون ذلك رادعا بشكل خاص للفاعلين، ورادعا عاما لمن يحاول أن يمس بحقوق الناخبين أو تسول له نفسه الإضرار بالعملية الديمقراطية.
وعليه فمن المتوقع أن تصل النيابة العامة إلى نتائج غير موضوعية تؤدي إلى "حفظ الدعوى" لعدم التوصل للفاعلين أو عدم كفاية الأدلة أو أي مسوغات وحيثيات مشابهة، لأنها عاجزة تماما عن ملاحقة شخصيات وكوادر أمنية وتنظيمية متورطة بالفعل، الأمر الذي سيجعلها تبحث حاليا عن ذرائع أو قد تتجه لاعتبار التحقيقات سرية في هذه الفترة على اعتبار أن كشف التفاصيل يمكن أن يؤثر في مسار التحقيقات.
وهذه معهودة دوما في لغة الأنظمة القمعية التي لا تحترم العدالة وتتهرب من أي رقابة محلية أو دولية، وهذا ما يجعله تحقيقا يجري تحت جنح الظلام بعيدا عن أضواء الرقابة.