يُهدد إصدار رئيس السلطة محمود عباس، "قرارًا بقانون" تضمن تعديلات على قانون الجمعيات الأهلية، إجراء الانتخابات التشريعية المقبلة، لكونه يستهدف "مؤسسات المجتمع المدني" التي من المفترض أن تراقب عليها، ويكرس سيطرة السلطة التنفيذية على جميع مفاصل العمل السياسي والقانوني الفلسطيني، ما يستدعي إلغاؤه عاجلًا، وفق ما يقول حقوقيون ومحللون سياسيون.
وأصدر عباس الثلاثاء، "قرارا بقانون" رقم 07 لسنة 2021 المعدل لقانون الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية رقم 01 لسنة 2000. ويفرض التعديل على المنظمات تقديم خططها السنوية وموازنتها إلى الوزارة المختصة، كما يفرض عليها الحصول على موافقة مسبقة للقيام بجمع أي تبرعات أو الحصول عليها، إضافة إلى تقييد عمل الجمعيات المهنية بجعل رواتب موظفيها لا تزيد على 25 %.
كما يسهل التعديل حل الجمعيات في حال المخالفة، وجعل ذلك رهين إرادة السلطة وليس مجلس الإدارة والجمعية العمومية، إضافة إلى جعل أموال الجمعيات في حال التصفية تذهب للموازنة العامة.
تناقض مع "مرسوم الحريات"
وأكد رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني "حشد"، الحقوقي صلاح عبد العاطي، أن إصدار "مراسيم رئاسية" بالتزامن مع اقتراب استحقاق الانتخابات التشريعية يحمل "انعكاسات خطِرة على العملية الانتخابية".
وقال عبد العاطي لصحيفة "فلسطين": إن "مرسوم الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية" يستهدف مؤسسات المجتمع المدني التي ستراقب على هذه الانتخابات، وهو يتعارض مع مرسوم الحريات الصادر عن عباس في وقت سابق لتهيئة الأجواء للانتخابات، ويتناقض مع المعايير الحقوقية الدولية".
وعدّ أن هذا المرسوم يضيف قيودًا غير مبررة وغير دستورية على عمل منظمات المجتمع المدني، تشكل توسعا في الصلاحيات الرقابية الثقيلة للسلطة التنفيذية إزاء عمل الجمعيات الخيرية.
وشدد على أن "المرسوم يشكل تدخلًا سافرًا في حرية عمل الجمعيات والمؤسسات الأهلية، بما يتعارض مع القانون الأساسي والمعايير الدولية لحقوق الإنسان التي وقعت عليها دولة فلسطين".
وبين عبد العاطي أن المرسوم يعد استمرارًا للنهج القائم على الإقصاء والتقييد للحريات العامة وخاصة حرية تشكيل وعمل الجمعيات، إضافة إلى إعاقة عملها ودورها الحيوي في حماية حقوق الإنسان وتحقيق المصالح المجتمعية.
تعرقل سير الانتخابات
ويؤكد الخبير في القوانين الإعلامية وحقوق الانسان، ماجد العاروري، أن هدف المرسوم خلق أزمة داخل المجتمع الفلسطيني تشكل عائقًا أمام إجراء الانتخابات التشريعية المقبلة.
وقال العاروري لصحيفة "فلسطين": إن المرسوم "يمثل تدخلات غير واضحة المعالم من جهات متنفذة بالسلطة تحاول أن تعرقل سير الانتخابات بخلق أزمات متفاعلة في الساحة الفلسطينية".
وأضاف: "من المفاجئ أن يكون أول مرسوم بعد "مرسوم الحريات"، هو تقييد الحق في تكوين الجمعيات الذي لو نُفِّذ سيخلق أزمات تهدد إجراء الانتخابات"، مشيرًا إلى عدم وجود أي دواعٍ قانونية للمرسوم الذي هو تعبير عن صراعات تيارات متناقضة في السلطة ضد بعضها بعضًا ويعكس "مراهقة سياسية".
وبين أن السلطة غير قادرة على تبعات تطبيق هذا المرسوم لأن ذلك سيحدث "قلاقل" في المجتمع الفلسطيني ويخلط الأوراق ،وقد يوقف الانتخابات، عادًّا أن ذلك يمثل "سحب صلاحيات" من المجلس التشريعي المقبل، "فإذا أرادت السلطة أن تثبت حسن نيتها فعليها فورًا إلغاء هذا القانون".
وأكد أن المرسوم يمثل "قرارًا عقابيًّا لمؤسسات المجتمع المدني على مواقفها المتعلقة بالقرارات بقانون وتلك المنتقدة لسياسات الحكومة تجاه التلاعب في توزيع اللقاحات، ويندرج في إطار سياسة العقاب المالي للجمعيات لتلقينها درسًا في حال انتقادها للنظام السياسي الفلسطيني".
وأشار العاروري إلى أن أول نتائج تطبيقه ستكون إلقاء ما يزيد على 20 ألف موظف وموظفة من العاملين والعاملات في المؤسسات الأهلية على قارعة الطريق، ليعانوا ويلات البطالة.
تثبيت حقائق على الأرض
ويرى المحلل السياسي صلاح حميدة، أن المرسوم الأخير هو نتاج لعملية قفز الفصائل المتحاورة بالقاهرة عن الملفات المهمة والذهاب باتجاه عقد انتخابات دون "فكفكفة الملفات" التي سببت عملية الانقسام.
وقال حميدة لصحيفة "فلسطين": إن رئيس السلطة عباس يحاول خلال الفترة الانتقالية للنظام السياسي الفلسطيني، بتثبيت حقائق على الأرض تلقي بمؤشرات سلبية للغاية على مصير المؤسسات التي ستُنتخب لاحقًا وإمكانية إلغاؤها من قبل السلطة التنفيذية.
واعتبر أن المرسوم "تطور خطِر للغاية" يعكس شكلًا من أشكال استئثار السلطة التنفيذية بكل السلطات والإلغاء التام لمبدأ الفصل بين السلطات، ويشكك في إمكانية عقد انتخابات نزيهة وينذر بأن "القادم أسوأ".
وبين أن المرسوم قد يستهدف المؤسسات التابعة لأطراف من حركة فتح منافسة لـ"عباس" بالضفة الغربية، كتلك التابعة للتيار الإصلاحي و"سلام فياض" أو لفصائل من المنظمة المعارضة لنهج عباس كـ"الجبهة الشعبية".
ورأى حميدة أنه "في ظل التوجه لنظام شمولي، لا ضرورة للانتخابات التشريعية خاصة أن المؤسسة التنفيذية أصبحت تسيطر على كل مفاصل الحياة".