أنت إنسان قبل كل شيء

قبل أن تكون معلمًا أو طبيبًا أو مهندسًا أو صحفيًّا ... أنت إنسان تجمعك الإنسانية التي فطرك الله (تعالى) عليها، وهي حب الخير وتقديم المساعدة للآخرين قدر الإمكان دون التفكير في شيء آخر قد يعرقل هذه الإنسانية.

من مواقف الإنسانية الطيبة التي جعلتني أردد في نفسي: "ما زالت الدنيا وأهلها بخير": كنت بمشاركة زميلتي في مهمة عمل بمستشفى حمد للتأهيل والأطراف الصناعية، لإعداد تقرير صحفي عن يوم "السمع العالمي"، وقبل البدء في العمل قدر الله (تعالى) أن أصيبت زميلتي بوعكة صحية مفاجئة، فكان لطف الرحمن في كل خطوة تسير معنا حتى نتدبر الأمر بحكمة والتصرف السليم في هذه المرحلة.

لفت نظري اهتمام الطاقم الطبي بإنسانيته قبل مهنته الطبية دون التفكير في أي شيء إلا أن تكون زميلتي بخير، فكان اهتمامًا واضحًا بفضل الله (تعالى)، والمعاملة الطبية حتى من الكوادر غير الطبية من قسم العلاقات العامة.

هذا الأمر أشعرني برحمة الله الرحمن الرحيم، وتدبيره من حيث لا نحتسب، إذ قدرت الوعكة الصحية وقدرت في الوقت ذاته العناية الإلهية في توقيتها ومكانها المناسبين.

والجميل في الإنسانية أن الطبيبة رهام كانت تتابع الاهتمام بزميلتي من أجل الاطمئنان عليها، بعد أن قامت بالإسعافات الأولية وقياس الضغط والسكر، وغيرها من الإجراءات الصحية المهمة.

هذه الطبيبة الجميلة في قلبها، حتى حينما أردنا مغادرة المكان، عرضت علينا أن نذهب إلى بيتها، القريب جدًّا من المستشفى، من أجل أن ترتاح زميلتي وتقدم لها ما تحتاج له لزيادة الاطمئنان على وضعها الصحي.

والأمر لم يتوقف عند ذلك فحسب، بل أرفقت رقمها في دفتري (مع أنني أول مرة أراها في حياتي) حتى إذا حدث أي شيء أو احتجت لمساعدة أتصل بها مباشرة.

في هذه الموقف استشعرت رحمة الله (تعالى) التي غمرنا بها بلطفه وحفظه، استشعرت لطفه الخفي في تدبيره لكل شيء.

شعرت كم الفطرة الإنسانية التي خلقنا الله الخالق عليها فطرة نقية طاهرة جميلة تحب كل معاني الخير، واستذكرت قوله (تعالى): "فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ" (الروم:30)، وبذلك مهما كانت وظيفتك، فأنت إنسان قبل كل شيء، في كل موقف تستطيع أن تقدم الخير، وتذكر قوله (تعالى): "وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا ۚ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ "(المزمل:20).

رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي بالمغفرة، "وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ" (يوسف:21).